بقلم : عامر سمير عثمان
لا تكادُ تجلس مع أحد المفصولين من تلك الصحيفة، حتى تعانق قلبك مأساته، ويهزك بشدّة ذلك الظلم الذي يسحق قلبه، تنفر من عينك دمعة لمرارة حديثه، عندها تعلم فقط لماذا ليس بين دعوة المظلوم والله تعالى حجاب.

عبارات تخرج عفوية متلاحقة، فالقلب يسابق اللسان لفرط ما أصابه من كمد وغيظ، فمَن الذين تمّ فصلهم؟ هل هم أصحاب الرواتب الفلكية؟ هل هم فعلا عبء زائد؟ هل هم من أصحاب الراتبين والثلاثة التي تغذي رقم الضمان الاجتماعي؟.

كلا، هم في معظمهم الحلقة الأضعف، أو من الذين ثاروا على جبروت بعض المتكبرين والعنجهيين، رواتب عشرة منهم تعادل راتب شخص واحد قابع خلف كرسيه، لا يفقه سوى شرب الشاي والقهوة، وآخر ربما رواتب جميع المفصولين لا تعادل مخصصاته من البنزين أو السفرات أو مصاريف الضيافة التي انشغل بها عن مصائب الصحيفة.

وهنا يُزلزل سؤال أصحاب الضمائر الحية – إنْ وجدوا – هل هذه هيكلة تنقذ الصحيفة من أزمتها المالية؟ بالقطع لا، فما هو العبء الذي يشكله مَن راتبه 300 دينار، أمام ذلك الهامور الذي تتجاوز مخصصاته آلاف الدنانير؟ وإنتاجية الأول قد تعدل أضعاف إنتاجية الأخير.

في أحد التصريحات سمعنا أنه تم فصل كل من يعمل في عملين، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على غيبوبة تامة، وانفصال هستيري عن الواقع، أو أن من نسّب بالأسماء خدع الإدارة وأدخلها في نفق مظلم جدا،،، فكان العمى.

كان بإمكان الإدارة – لو امتلكت الخيار – أن تعود إلى سجلات الضمان أو ملفات الموظفين، وستعلم عندها كيف غُرر بها لقطع أرزاق الناس، ولتصفية بعض الحسابات، ولكن كل المفصولين يعلمون من الذي اتخذ القرار ومن نسّب بالأسماء، أما باقي المناصب فهي شكليّة لا أكثر.

الغريب والغريب جدا، أين الحكومة ورئيس الوزراء؟ أين وزارة العمل؟ هل تمرّ مجزرة بحق عائلات بأكملها مرور الكرام؟ ترى كم قوة ونفوذ هؤلاء قاطعي الأرزاق حتى لا يوقفهم أو يسائلهم أحد؟ هل فعلا انتهى العدل وتفشى الظلم إلى هذه الدرجة؟ هل يستحق من لا يحمل الثانوية العامة أن يبقى ويُطرد الجامعي؟ هل من كان مراسلا أو عامل بوفيه امتلك المهنية الصحفية التي تسمح له بالبقاء بل والترقي؟ هل من راتبه 300 دينار هو سبب أزمة الصحيفة بينما من رواتبهم تفوق الـــ 1000 و5000 آلاف ليسوا سببا؟
لم أسمع من غالبية المفصولين جملة أكثر ترديدا من ( حسبي الله ونعم الوكيل ) وأقول لهم: نعم، هو وحده حسبكم وسترون آياته في الظالم عما قريب.

قال تعالى ) : وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).