18-05-2015 03:45 PM
بقلم : فرج المحاسنة
يعاني الاقتصاد الاردني من تراكم تبعات ونتائج اخطاء الكثير من الحكومات المتعاقبة والتي لم تحسب حسابا لاي نتائج اقتصادية ناجمة عن ارتفاع المديونية وعن ازدياد معدلات البطالة وعن هجرة الكفاءات والعقول من الاردن الى الخارج وعن دخول ملايين اللاجئين الى الاردن واغراق الاردن بايدي عاملة ماهرة ورخيصة ادت باصحاب المصالح الى طرد العمال والموظفين الاردنيين واحلال عمالة سورية او مصرية رخيصة بدلا منهم.
وفي حين ان معظم اصحاب المصالح والشركات والمحلات والمطاعم لم يلتزموا بمطالبات الحكومة بتوظيف الاردنيين بدلا من الاجانب فان ذلك يعود لعدم الحزم والى التراخي في فرض القانون على اصحاب العمل الذين لا يهمهم سوى الربح اكثر من خلال احلال عمال اجانب بدلا من الاردنيين.
كل ذلك التخبط في التخطيط الاقتصادي ادى الى تفاقم المديونية لارقام قياسية مع نهاية الربع الاول من عام 2015
وادت ايضا الى ازدياد نسبة البطالة بين الموهلين للعمل بنسب مقلقة ايضا في بيانات نهاية العام 2014 ,
بل وزاد الطين بلة تراجع الاستثمارات الاجنبية بشكل غير مسبوق بالاردن نظرا لارتفاع تكاليف الطاقة والاحداث الجارية في بلدان الجوار وتدهور وضع القطاع السياحي في الاردن نتيجة للوضع في المنطقة ونتيجة لغياب التسويق المناسب للقطاع السياحي الاردني في الخارج.
لا تعاني الحكومة اقتصاديا من ارتفاع كلفة فاتورة الطاقة بقدر ما ستعاني اذا انخفضت قيمة فاتورة الطاقة اذ ان اعتماد الميزانية الحكومية على الضرائب المفروضة على مشتقات البترول اصبح دعامة اساسية في الميزانية الحكومية لا يمكن باي حال من الاحوال الاستغناء عنها وهذا من النقاط السلبية التي نتجت عن سياسات اقتصادية خاطئة حيث ان الاردن لم يكن بحاجة للاعتماد على ضرائب ضخمة تفرض على المحروقات قبل العام 2011.
وحيث ان الحكومة تتكلم عن دعم الطاقة البديلة وتتكلم عن ارتفاع فاتورة الطاقة فان الحقيقة ان انخفاض فاتورة الطاقة وانخفاض اسعار المحروقات سيودي الى خسارة الحكومة عشرات الملايين من ايرادات الضرائب الباهضة المفروضة على مشتقات البترول في السوق المحلي.
المشكلة ان اعتماد الحكومة على ضرائب المحروقات هو ظاهرة جديدة منذ سنوات كان بامكان الحكومة ان لا تجعلها ركنا اساسيا في الميزانية العامة للدولة.
ويطفو الى السطح بين الحين والاخر كلام الحكومة عن رفع الدعم عن اسعار الخبز وقد جربنا الالتفاف الحكومي على هذه القرارات عندما كانت الحكومة تدعم دعما نقديا مباشرا للمواطنين بسبب ارتفاع اسعار المحروقات لفترة من الزمن ثم توقف الدعم لان سعر برميل النفط نزل عن 100 دولار النفط الان 60 دولار امريكي للبرميل ويباع بالسوق بنفس سعر بيعه قبل عام او عامين عندما كان سعره 105 دولار!
الحكومة ستعيد دعم المحروقات نقديا للمواطنين اذا رجع سعر برميل النفط الى 100 دولار ولكن هذه المرة اذا رجع النفط الى 100 دولار وحسب الحسبة الحالية فان تنكة البنزين 90 مثلا سيكون سعرها ب 22 دينار اردني
!
لان الآلية التي تم رفع اسعار المحروقات بناءا عليها خلال الشهر الثاني والثالث والرابع من العام 2015 مثيرة للشكوك.
الان تتكلم الحكومة عن رفع الدعم عن الخبز ببطاقة ذكية للمواطنين ولا نعرف الالية التي يمكن ان تنتهجها الحكومة بهذا المضمار لكن الحكومة كل فترة تتكلم عن رفع الدعم عن الخبز ثم تلغي القرار ليس بسبب ردود فعل شعبية غاضبة ولكن بسبب غياب التخطيط الاقتصادي الشامل.
.
رقميا فان رفع الدعم عن الخيز هو احد الحلول الحقيقة التي تدعم فعلا الاقتصاد الاردني ولكن وفقا لمنظومة خاصة لا ترفعه على المواطنين .
بالارقام يكلف كيلو الخيز على الحكومة 45 قرش اردني تقريبا جاهز ويباع ب 17 قرش في المخبز للمواطنين وغير المواطنين مع احتساب هامش ربحي للمخبز وبهذا فان كل كيلو غرام من الخبز يكلف خزينة الحكومة دعما وخسارة 30 قرش اردني.
يوجد في الاردن حوالي 5 ملايين اجنبي ما بين لاجئين من سوريا والعراق وغزة ومقيمين وعمال من مصر واليمن والهند وشرق اسيا وافريقا اضافة للطلاب والمقيمي.
معدل استهلاك الغير اردنيين في الاردن من الخبز ضعف معدل استهلاك الاردني من الخبز وفقا للاحصائيات لان الاردنيين بشكل عام لا ياكلون الخبز كثيرا ويستعيضوا عنه باكلات اخرى.
على سبيل المثال يستهلك العامل المصري في الاردن معدل كغم من الخبز يوميا بينما يستهلك الاردني معدل ربع كيلو غرام فقط.
يبلغ معدل استهلاك الاجانب بشكل عام في الاردن للخبز نصف كيلو غرام يوميا اي ان 5 ملايين اجنبي يستهلكون يوميا حوالي 2 ونصف مليون كيلو غرام من الخبز .
وهذا يعني ان الدعم الحكومي للاجانب في الاردن يوميا فقط في مادة الخبز يقارب 2 ونصف مليون دينار اردني مضروبة ب 30 قرش اردني اي حوالي مليون الا ربع دينار اردني يوميا اي حوالي 300 مليون دينار سنويا هي قيمة الدعم المقدم من الحكومة لشراء الخبز للاجانب المقيمين في الاردن.
ان توفير 300 مليون دينار اردني سنويا وتقديم نصف المبلغ فقط دعما مباشرا للاردنيين يودي الى رفع الدخل للمواطن الاردني وفي نفس الوقت على الحكومة عدم رفع اسعار الخبز نهائيا على الاردنيين .
.
اذا منطقيا يجب ان كون مع رفع اسعار الخبز وبيعها بالكلفة الحقيقية على المقيمين في الاردن والاجانب فقط بينما ابقائها كما هي للاردنيين وفقا لمعدل استهلاك منطقي وفعلي وهذا سيودي الى توفير مبلغ حوالي 300 مليون دينار اردني على الخزينة الاردنية والخزينة اولى بهذا المبلغ من المقيمين والاجانب واللاجئين في الاردن والذين بكل المقاييس يشكلون عبئا ثقيلا على الاردنيين انفسهم وعلى الاقتصاد الاردني.
قرار رفع اسعار الخبز قرار حكيم اذا طبق وفقا لمعادلة رفعه على كل من يقيم في الاردن من غير الاردنيين مع التاكيد على عدم رفعه على الاردنيين.
هناك الكثير من الاليات التي يمكن ان تستخدم في ذلك مثل كوبونات لشراء الخبز بالسعر المدعوم للاردنيين وهذا خيار ممتاز وغير مكلف مثل خيار البطاقة الذكية التي تحتاج لتاكاليف وآلية معقدة ربما لا تنجح .
اذا كوبونات بالمعدل الحقيقي والمنطقي لاستهلاك الاردنيين من الخبز ورفع اسعار الخبز على كل مقيم اجنبي بالاردن لا يحمل الجنسية الاردنية قرار حكيم وصائب وشجاع 100% مع التاكيد على عدم رفع اسعار الخبز على المواطنين الاردنيين باي شكل من الاشكال.
انا اجزم ان معظم الاردنيين مع رفع الدعم عن اسعار الخبز بشرط ان لا يطال ذلك اي مواطن اردني وبشرط ان تنفذ الحكومة قرارات شجاعة وجريئة لحل مشكاكل الاقتصاد الاردني.
ان معالجة الخلل بالاقتصاد الاردني تحتاج لمنظومة شاملة وقرارات شجاعه تبدا ليس فقط برفع اسعار الخبز بل بالعدالة الاجتماعية في سلم الرواتب الذي يعاني من ظلم كبير يعطي بعض الموظفين الحكوميين رواتب تصل الى حوالي الف دينار اردني بينما لا يعطي نصف المبلغ لموظفين حكوميين اخرين ينتجوا اكثر منهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فان رواتب موظفين في موسسات مثل الضمان الاجتماعي وفي وزارات مثل وزارة المالية والخارجية وغير ذلك تبلغ اضعاف موظفين في وزارة الزراعة او البلديات مثلا.
وايضا فان على الحكومة ان تعتمد نظرية الضرائب الهرمية اذ تزيد الضرائب على اي شركة او موسسة ربحية تربح اكثر وبشكل هرمي .
كمان ان على الحكومة عدم التسامح في موضوع التهرب الضريبي لاي سبب كان ومعالجة الخلل التشريعي في قوانين الاستثمار للاجانب لجلب استثمارات جديدة ومعالة الترهل الاداري في معاملات وتسهيلات المستثمرين الاجانب.
كما ان على الحكومة الضرب بيد من حديد على كل المصالح والشركات التي توظف المقيمن والاجانب بدلا من الاردنيين دون استثناء.
وايضا على الحكومة ان تتوقف عن اسعار الطاقة على القطاعات الصناعية والسياحية بشكل فوري لوقف التدهور في القطاع السياحي الذي يعاني اصلا بسبب الوضع الامني في البلدان القريبة.
ان فرض ضرائب على المغتربين الاردنيين في الخارج والذين تزيد دخولهم الشهرية عن 2000 دينار اردني هو قرار حكيم وعادل يجب ان يطب فورا .
كما ان اجبار كل العمال الاجانب على دفع رسوم تصاريح العمل باي شكل من الاشكال سيوفر مئات الملايين للخزينة الاردنية.
بينما ادى غياب وزارة تموين ورقابة قوية على المستوردين الى خلل في استفادة الدينار الاردني من ربطه بالدولار الامريكي حيث انخفضت العملات الاجنبية الرئيسية كلها ما عدا الدولار امام الدينار الاردني ويجب ان تنخفض قيمة المستوردات من الخارج بنسبة لا تقل عن 15% حيث ان اليورو مثلا انخفض امام الدينار الاردني من 98 قرش الى 77 قرش فقط مثلا.
ان الغياب الكامل للدور الحكومي في تشجيع قطاع العمل على الانترنت لدى الاردنيين يتناقض بشكل واضح مع نسبة الوعي والتعليم واستخدام الانترنت في الاردن فعلى سبيل المثال فان شركة جوجل الامريكية مثلا تدفع ضرائب سنوية للحكومة الامريكية تفوق ميزانية الاردن كاملة بينما تدفع 25 شركة على الانترنت في الولايات المتحدة ضرائب للخزينة الامريكية سنويا تفوق ما يجنيه العالم العربي من بيع النفط !
ان تنفيذ هكذا قرارات يحتاج لحكومات تكنوقراطية وخبراء وشجاعة وحس بالمسوولية والوطنية نتمنى ان نراها قريبا.
فرج المحاسنة - خبير اقتصادي ومتخصص في الاسواق العالمية
info@magicemarketing.com