حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,27 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 30625

درس في الديمقراطية الأردنية

درس في الديمقراطية الأردنية

درس في الديمقراطية الأردنية

18-05-2015 03:50 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور مهند صالح الطراونة
اعتمد نظام الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية على مبدأ التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وإن من مظاهر هذا التعاون أن السلطة التشريعية يمكنها التدخل في مختلف أعمال السلطة التنفيذية والتعرف على طريقة سيرها بما لها من حق المراقبة ومساءلة الوزارة، فعن طريق السؤال والاستجواب والاقتراع بالثقة على مركز الوزارة يستطيع البرلمان أن يقف على كل مجريات الأمور في الدولة ويراقب تصرفات الوزارة، وله أيضاً حق إسقاطها عن طريق سحب الثقة عنها إذا أخلت بواجباتها.
ومبدأ مسؤولية الوزارة لدى الهيئة النيابية هي حجر الزاوية في نظام الحكم النيابي البرلماني، فقد نصَّت المادة (51) من الدستور على (أن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة ، كما أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته)، ذلك على اعتبار ان مجلس النواب هو المجلس الذي يمثل الشعب .
وفي إطار هذا الموضوع لابد من بيان التفرقة بين استقالـة الوزارة وإقالتها ،فالاستقالة حق من حقوق رئيس الوزراء، حيث يحق لرئيس الوزراء أن يستقيل كلما تعذر عليه القيام بمهمته على أحسن وجه، لأي سبب من الأسباب، وحين استقالة رئيس الوزراء يعتبر جميع الوزراء مستقيلين أيضاً بحكم الدستور، والاستقالة هنا تكون إجبارية، إلا في حالة ما إذا حجب مجلس النواب ثقته عن الوزارة، أما الإقالة فهي من صلاحيات الملك المطلقة ولا توجد تقاليد وأعراف دستورية في الأردن، تقضي في عدم إقالة الوزارة ما دامت تتمتع بثقة مجلس. النواب
وبناء على ما تقدم إن من حسن الطالع إسقاط النظريات السابقة هذه و التي نص عليها الدستور الأردني على واقع حال الديمقراطية وماآل إليه حالها في النظام الأردني وهذا الأمر يسوقنا للحديث عن الصلاحيات الدستورية لسلطات الدولة الثلاث وبيان تخومها تعتمد وبشكل أساسي على مبدأ الفصل بين السلطات ،القائم على توزيع السلطات في الدولة وعدم تركيزها في يد سلطة واحدة ،لأن تركيز السلطة بيد هيئة واحدة قد يؤدي على الأغلب إلى الاستبداد والتعسف، وبالتالي إلى إهدار التوازن الديمقراطي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أو إلى إهدار حقوق وحريات الأفراد، لذلك أن الأساس السليم لمبدأ فصل السلطات هو توزيع وظائف الدولة المتعددة على سلطات متعددة تستقل كل منها بوظيفتها عن الأخرى .
ومن المعلوم به أن مبدأ الفصل بين السلطات يرتبط ارتبطاً وثيقاً بالديمقراطية، حيث يحتل هذا المبدأ أهمية فائقة ومصانة من خلاله تأكيده على ترسيخ الممارسة الحقيقية للديمقراطية داخل الدولة، وقد بين الفقه الدستوري مفهوم الديمقراطية عندما نعتها بأنها حكم الأغلبية مع احترام حقوق الأقلية وبأنها الغاية والطريق الأمثل لصون الحقوق والحريات العامة ،كما وأن هذا المفهوم ذكر في كتابات كل من لوك ومونتسكو الذين اعتبروا أن الديمقراطية بمفهومها سالف الذكر تقاس وترتبط بمدى التزام كل سلطة من سلطات الدولة باختصاصاتها المحددة لها .

وهذا الأمر دفعني أن أقدم للقارئ وللمشرع الكريم تحليل لحقيقة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام الأردني بحيث فكرت ملياً ووجدت بأن مسألة الاختلال الوظيفي بالصلاحيات بين السلطات مارستها الحكومات على مدار السنين ، الأمر الذي أدى إلى رجحان كفة السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية ،وباعتقادي أن هذا الأمر لم يكن ناتجاً عن رغبة السلطة التنفيذية بالاستحواذ على الأنشطة في الدولة والصلاحيات في النظام ، أو أن تكون هي السلطة العليا ، وإنما كان سببه الظرف العام ، حيث تعقدت أساليب الحياة واتسمت بطابع فني وتكنولوجي متطور وزادت من وظائف الدولة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وظهرت العديد من القضايا والملفات التي لم تكن في السابق ، الأمر الذي برر ضرورة وجود العديد من التشريعات المتطورة والسريعة من أجل مواجهة متطلبات الزيادة في مختلف وظائف الدولة وحيث أن البرلمانات في الفترة الأخيرة لم تكن بمستوى الطموح وهذا ما اثبته الواقع ودليل ذلك حلها من قبل السلطة التنفيذية والتي وجدت بنفسها البديل عن السلطة التشريعية ,اصدرت العديد من القوانين المؤقتة في موضوعات مازلنا نعاني منها إلى هذا الوقت .
ونظريا نجد أن النظام البرلماني الأردني هو أحد أنواع الأنظمة البرلمانية التي أستقت من النظام البرلماني المهد وهو النظام البريطاني ،حيث أخذ النظام الأردني بعضا من قواعده خاصة تلك التي تتعلق بالعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ،والتي تقوم على أساس أن كل من السلطتين تمتلكان من الوسائل الدستورية ما تمكن به بها عدم هيمنة السلطة الأخرى، ولعل من أبرز هذه الوسائل هو حق المسؤولية السياسية الموجه للوزارة من قبل البرلمان، وكذلك حل البرلمان الموجه من قبل السلطة التنفيذية.
إلا أن التباين أضحى واضحاً بين ما هو منصوص عليه من الناحية النظرية وبين ما هو مطبق من الناحية العملية بشأن هذه الوسائل ، حيث تبين عدم فعالية تلك الوسائل في ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ،فمن خلال استقراء مسيرة الحكومات الأردنية نجد أن معظم الحكومات الأردنية لم تتعرض لخطر المسؤولية السياسية الموجهة من قبل البرلمان إلا ما ندر، حيث حازت معظم هذه الحكومات على ثقة البرلمان، باستثناء حالة واحدة سجلها التاريخي السياسي الأردني لم تحصل فيها الوزارة المشكلة على ثقة البرلمان وهي حكومة السيد سمير الرفاعي، وبرأي أن سبب ذلك ليس الانسجام التام في العلاقة بين السلطتين التنفيذية التشريعية في النظام الأردني، بل هو الاختلال في هذه العلاقة حيث هيمنت السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ،وبرأي ورأي العديد أن السبب في ذلك يعود إلى عدم وجود أحزاب ذات برامج سياسية ، بحيث يكون لهذه الأحزاب دور في تفعيل الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية.
ولعل النظام الانتخابي كان من أهم الأسباب التي أضعفت وجود العمل الحزبي داخل البرلمان الأردني إضافة إلى عدم وجود ثقافة مجتمعية تبين ماهية الأحزاب ودورها الحقيقي في بناء الدولة الدولة وإصلاحها ، وقد أكدت التوجيهات الملكية هذا الأمر في اكثر من موضع بين جلالة الملك من خلال ما قدمة من اوراق نقاشية أهمية دور الأحزاب في الدولة والتي يجب أن تكون نواتها الكتل البرلمانية ، و في التطبيق نجد أن هذه الأخيرة قد انشغلت للأسف في المناكفات السياسية بجو يسوده الشحناء والتوتر السياسي ،ومازالت النخب السياسية والقانونية تنتظر من هذه الكتل الإسراع بدفع عجلة الحياة الحزبية داخل البرلمان وأن تعمل هذه الكتل على شكل أحزاب تقدم برامج ، لنخرج من حالة الضعف التي تعتري العمل البرلماني والتي أظهرت على السطح برلمانات هشة وضعيفة يقابلها حكومات معظمها تكنوقراط سيطرت على مجرى العملية التشريعية في الدولة .
وعلى صعيد آخر أثبت الواقع العملي الزيادة المضطردة لنسبة المقترحات التشريعية المقدمة من السلطة التنفيذية إذا ما قورنت بالمقترحات التشريعية المقدمة من السلطة التشريعية ، الأمر الذي أثر على علاقة هاتين السلطتين ،ولعل ذلك مرده إلى أن السلطة التنفيذية تمتلك من المقومات ومن الأجهزة الإدارية والفنية ما تمكنها من صياغة مشاريع القوانين بشكل أسرع، والأمر الثاني إن إن وجود مجلس الأعيان ضمن المنظومة التشريعية كان له تأثير غير مباشر على العملية التشريعية سيما وأن العديد من أعضائه هم أصلا من رجال السلطة التنفيذية، وقد يتبنون وجهة النظر الحكومية داخل المجلس ومن المحتمل أن يكونوا ذراع السلطة التنفيذية التشريعي داخل البرلمان إلا أنه ومن باب الانصاف لايمكن لنا إنكار الدور الذي يقوم به مجلس الأعيان في رد العديد من مشاريع القوانين غير المرغوب بها شعبياً وإصراره على ردها أحياننا ، ,وأرى أننا بحاجة إلى تطوير الأجهزة الفنية والإدارية لدى السلطة التشريعية من أجل النهوض بالعمل التشريعي بشكل أفضل وإرجاع هذا الاختصاص للسلطة الأصل .
ومحصلة القول إن الحديث عن تحقيق مناخ ديمقراطي ودستوري سليم يعيد الإعتبار إلى السلطة التشريعية ويمكنها من أخذ دورها كمؤسسة دستورية ذات كيان، بحيث تعتبر المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تمثل الصالح العام للشعب يحتاج منا نحن كأفراد تكثيف الجهود نحو نشر ثقافة الأحزاب السياسية ودورها في بناء الدولة ،وفي المقابل يقع على عاتق السلطة التشريعية دور كبير في تعزيز هذا الدور من خلال السعي نحو تكريس عمل اللجان وجعلها نواة لأحزاب سياسية تقدم برامج إصلاحية وصولاً لحكومات برلمانية تتحقق من منظومة التوازن والتعاون بين السلطات في الدولة، وهذا ما اكد عليه سيدي صاحب الجلالة في أوراقه النقاشية وفي كافة المحافل حيث أكد جلالته دوما على أهمية تعميق النهج الديمقراطي وددت أن أقتبس هنا لما قاله سيدي صاحب الجلالة في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الامة السابع عشر( وبالرغم مـن كل التحديـات، فإن الأردن لم يسمح ولن يسمح أن تكون الصعوبات والاضطرابات الإقليمية حجة أو ذريعة للتردد في مواصلة مسيرته الإصلاحية الشاملة. فنحن لا نرى الإصلاح ردة فعل لواقع صعب، بل هو خيار وطني نابع من الداخل، يعزز الوحدة الوطنية والتعددية والاعتدال، ويوسّع المشاركة، ويعمّق الديموقراطية، ويرسّخ نهـج الحكومات البرلمانية، فعلى صعيد تفعيل مشاركة المواطن في عملية صنع القرار، قمنا بتدشين تجربتنا في الحكومات البرلمانية، من خلال تبني نهج التشاور مع كتل وأعضاء مجلس النواب للتوافق على اختيار رئيس الوزراء) وعليه كلنا أمل نحن أبناء الأردن بالسلطتين التنفيذية والتشريعية ترجمة رؤية جلالة الملك في إيجاد قاعدة تشريعية تكفل تجسيد الديمقراطية الحقيقة وذلك من خلال العمل على تحقيق نهج الحكم المحلي الديمقراطي عبر إعداد مشروع قانون البلديات واللامركزية أولاً، الانتقال والإنتهاء من الخلاف حول قانون الإنتخاب، إضافة إلى تحسين آليات عمل مجلس النواب، ومن ضمنها كالنظام الداخلي، وإقرار مدونة السلوك، وتكريس عمل الكتل النيابية على أساسٍ برامجي وحزبي، وكما هي التوجيهات الملكية أن تسري هذه الإصلاحات بالتوازي مع تنفيذ مخرجات الخطة الوطنية لحقوق الإنسان، فلا إصلاح بدون احترام للفرد وحقه في العيش الكريم .
والله من وراء القصد ،،،
المحامي الدكتور صالح الطراونة
أستاذ القانون الدستوري المساعد
جامعة جده
Tarawneh.mohannad@yahoo.com








طباعة
  • المشاهدات: 30625
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم