28-05-2015 10:31 AM
سرايا - سرايا - كأن القشيبي بُعث ليقتل من جديد! بالسيناريو نفسه والبشاعة ذاتها وردة فعل اليمنيين وقتئذ.. وصفٌ ينطبق تماما على وقع وتأثير "الطريق إلى صنعاء" الذي طرحته "الجزيرة" على مزاد الأحداث الراهنة فغلبها جميعا وتفوق عليها.
"في الطريق إلى صنعاء الكثير من الأبطال والكثير من الخيانات. أسرار تخفي سقوط الحصن الأخير وتكشف رجال السوق السوداء".. هكذا كتب المحلل السياسي محمد عمراني الذي كتب في صفحته قبل أشهر مستغربا "سقوط مدهش لم يوثقه أحد وبقي الإعلام حاضرا بانفعالات المشاهد العادي دون عمل نوعي يفتش في الزوايا ويدقق في الروايات".
لكن بشارة زفّها إليه صديقه "المليكي" بأن ثمة عملا في الطريق كان يرصد ويوثق ويكتب الحقائق للتاريخ، طمأنته فبات على أهبة الانتظار.
ذكرى الوحدة
وتزامن ترويج الجزيرة لتحقيق وثائقي من إنتاجها عن سقوط عمران مع اليوبيل الفضي لذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، غير أن هذه الذكرى مرت بهدوء.. وخلال تسعة أيام ما قبل العرض، انشغل نشطاء فيسبوك وتويتر وواتساب وغيرها برسم ملامح الفيلم القادم.
وبقيت صفحتا الزميلين جمال المليكي وصفاء كرمان "أون لاين 24 ساعة" للرد على -استفسار واستجواب واتهام وثناء ونقد- زوارها من اليمن وخارجه.
بروموهات الفيلم على مدار الأيام التسعة وضعت اليمنيين في مواجهة حرجة مع ظروف الحرب والحصار وأزمة المشتقات النفطية، لا سيما انطفاء الكهرباء منذ ستين يوما.
كتب ناشط على صحفة صفاء "لي أسبوع وأنا أدوّر بترول، جهزت دبتين واثنين مولدات وثنتين بطاريات عشان ما يفوتني الفيلم". وتأخر "أحمد الوقع" كثيرا حتى يوم 21 مايو/أيار، فكتب "نبحث من الصباح الباكر عن صحة (قارورة) بترول لتشغيل الماطور (المولد) من أجل مشاهدة الفيلم.. ربنا يسهل".
عادت صور القشيبي إلى الواجهة من جديد، استبدلها الآلاف كصورة شخصية، وصارت ملصقات الفيلم الإعلانية أغلفة لصفحات الناشطين والناشطات.. وفيما كان وسم (هاشتاغ) #الطريق_إلى_صنعاء يخرط عداد تويتر وفيسبوك، مرت يتيمة "الذكرى الـ25 للوحدة اليمنية" عشية عرض الفيلم، إلا من تهنئة المعتقل إبراهيم الحمادي في سجون صالح وهادي والحوثي منذ أربع سنوات، والذي قال إنها تصادف الذكرى التاسعة لزفافه عام 2009.. وتهنئة ثانية في صفحة الشيخ حميد الأحمر من فئة السياسيين المحسوبين على الثورة والمقاومة، وثالثة في صفحة المخلوع صالح!
حسب مهتمين، فإن أحداث الثورة اليمنية التي أبهرت العالم في حينها لا تزال من دون توثيق، باستثناء كتاب هنا أو فيلم هناك. وفيما عدا المبادرات الفردية المحلية، فإن مهرجانات عرض الوثائقيات والمسابقات الدولية خالية تماما -أو تكاد- من أي عمل وثّق لثورة سلمية افترشت عشرين ساحة في عموم محافظات اليمن.
وأوضح استطلاع أجراه زكريا الربع، وهو مصور وناشط إعلامي من عمران، حول "ما الذي استوقفك بعد مشاهدتك الفيلم من نقاط هامة؟"، أن إجابات المعلقين بالمئات تمثل إسقاطا لاتجاهات وآراء المشاهدين اليمنيين الذين استقرأ محرر التقرير ما كتبوه في صفحاتهم حول الفيلم.
وباستثناء "فاطمة عبده" التي تساءلت في أول تعليق على زكريا "متى الإعادة"، هرع عدد كبير من المعلقين يكتبون أبرز العبارات التي تأثروا بها أثناء مشاهدتهم، على غرار "من اعترف بالذنب فلا إثم عليه"، وهي فقرة من نتائج لجنة تقصي الحقائق، و"لعبة الكبار" التي وردت على لسان وكيل المحافظة أحمد البكري.
تعدد زوايا المشاهدة، كما بدا من تعليقات قسم كبير منهم، قادهم إلى إطلاق أحكام عديدة: خيانة، وبيع، وحقارة، وفضيحة، وتعرية، ومؤامرة. وشملت اتهاماتهم: الحوثي، وهادي، ووزير الدفاع، والمقدشي، والحاوري، وشملان، وعفاش، وإيران، واللجان الرئاسية، والوساطة، والأمم المتحدة.. أما بقية المعلقين فرددوا عبارة واحدة "ما فيش كهرباء"!!
صحفيون وإعلاميون يمنيون يقيمون في الخارج أبدوا اهتماما لافتا. فقد علقت منى صفوان من بيروت "يعني عرفنا من قتل القشيبي.. ولحد الآن لم نكشف قاتِل الحمدي!". وعلقت أسوان شاهر من إسطنبول "لحظات عايشناها وبكينا منها وصدمنا ولا نزال مصدومين، هذا لا يكفي، المهم أن نوثقها ونسبر أغوارها للأجيال". ونشر وليد المعلمي من عمَّان صورا لشبان يمنيين يتابعون "الصندوق الأسود" أثناء تناولهم العشاء "خبز بلدي ودقة- لحم مفروم" في مطعم "صنعاء" هناك. أما علي السورقي فأوضح من شيفلد في بريطانيا أن الفيلم تناول الحدث بانتقائية وأظهر مظلومية طرف سياسي معين.
اعتراض وتأييد
وفيما عدَّه كثيرون استهدافا للرئيس هادي ومعاونيه العسكريين حاليا كالمقدشي، أكد رئيس تحرير صحيفة إيلاف اليمنية محمد الخامري أنه حصل على معلومات مؤكدة 100% أن الجزيرة نشرت "أخف" الوثائق، رغم تسلمها ملفا متكاملا ضد الرئيس هادي برسائل وتوجيهات خطية وصريحة.
ودعا الخامري إلى وجوب محاكمة هادي وعدد من القيادات العسكرية، لكن محمد حيدرة العبسي انبرى ليذود عن هادي الذي قال إنه "يعلم ويعرف أن الجيش بيد غيره، وليس بإمكانه إلا المناورات السياسية ومحاولة تجنيب البلد الاقتتال".
ووسط هذه الإشادات التي "أضحت حديث الشارع والمقايل وصفحات التواصل" حسب الصحفي عبد الباسط الشاجع، وعلى الرغم من بروز انتقادات أيضا على غرار "لا جديد، التوقيت، التحريض، غياب علي محسن، ربطه بعاصفة الحزم، تأثيره على صف المقاومة"، فإن أيا منها لم يتطرق إلى الجانب الفني والإنتاجي.
ورغم أن الصحفية منى الشامي "تكره" الجزيرة، فإنها استدركت في تعليق لها "بس فعلا كان رائع". ليخالفها الصحفي ماجد دهيم "ضعيف جدا ولم يكن هناك صندوق أسود، بل معلومات سطحية".
وركز عبد الكريم ثعيل، وهو صحفي ويدير مركز إنتاج إعلاميا، على عدم تناسب طبقات الصوت مع تطورات وأحداث الفيلم. وزادت الناشطة ميمونة عبد الله: "البرومو نفخه زيادة".
في السياق ذاته، انتقد ياسر الحسني، وهو إعلامي لدى الرئاسة اليمنية، توقيت عرض الفيلم، لكن ما يقرب من مائة تعليق ردوا عليه بصواب التوقيت.
وإزاء الجدل الواسع حول توقيت عرض "الطريق إلى صنعاء" وتأثيره على قيادات عسكرية مع المقاومة أو ضدها، كتب رئيس مركز أبعاد للدراسات والأبحاث عبد السلام محمد في صفحته "نصيحتي لكل مسؤول عسكري يشعر أن الطريق إلى صنعاء كشفه، أن يعمل شيئا اليوم في #الطريق_إلى_صعدة من أجل التكفير عن الذنب أو إزالة التشوهات التاريخية، وأيضا: من أجل مستقبل اليمن"!
وفي مثل هذا الوضع، يصبح من نافلة القول إن عاصفة أحدثها فيلم "الطريق إلى صنعاء" أشبه بعاصفة الحزم التي أصبحت حديث الندامى في المقايل والسيارات والشوارع العامة، وحديث المجموعات الخاصة والعامة.