03-06-2015 11:23 AM
سرايا - سرايا - منذ ولادته في منطقة "البرونكس" النيويوركية في سبعينيات القرن الماضي، ما برح تيار "الهيب هوب" الموسيقي يتمدد في كافة أنحاء العالم.
ويُعبر المعرض الذي ينظمه معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس تحت عنوان "الهيب هوب.. من البرونكس إلى الشارع العربي" ويمتد إلى 26 يوليو/تموز المقبل، عن احتفاء خاص بهذا الشكل الفني الثوري في طبيعته، والذي تبناه الشباب المهمش في العالم للتعبير عن رفضه للظلم والحرمان.
هو أكثر من نوع موسيقي، فالهيب هوب جمالية ونمط حياة في حالة تحول مستمر، وهنا تكمن أهمية المعرض الحالي الذي يسمح من خلال أكثر من مائة عمل فني وموسيقي ووثائق تاريخية مرئية ومسموعة، بمقاربة هذه الظاهرة الثقافية واستخلاص مراحل تطورها خلال العقود الأربعة الأخيرة، وفهم كيفية تحولها إلى فن شعبي لدى بعض الشبان العرب الذين استعانوا به لإبداء رفضهم لسياسات حكامهم وفسادهم وجورهم، وللتعبير عن ضيقهم وطموحاتهم ورغبتهم في العثور على مكان لهم داخل مجتمعاتهم.
في عام 2010 في تونس، وعلى هامش الاحتفالات الرسمية بوصول بن علي إلى السلطة، بث فنان الراب الشاب حمادة بن عمر شريطا موسيقيا مصورا على الإنترنت توجه فيه إلى بن علي باسم الشعب "الجائع" و"المعذب"، فاضحا فساد نظامه وتعسفه، وذلك قبل انطلاق المظاهرات التي ستُسقط دكتاتوريته بأربعين يوما.
وفي الوقت نفسه تقريبا، بث فنانو راب فلسطينيون "بيان شباب غزة" الذي استنكروا فيه "الكابوس داخل الكابوس"، قبل أن يطلقوا حركة تطالب بوضع حد للانقسام داخل الصف الفلسطيني.
نموذجان ضمن نماذج كثيرة تشهد على دور فناني الهيب هوب العربي في الثورات الديمقراطية التي اجتاحت المنطقة من المغرب حتى لبنان، علما بأن بعض هؤلاء الفنانين نشط قبل هذه الثورات بسنوات وشكل بفنه خير تمهيد لها، مثل الفرقة الفلسطينية "دام" التي أطلقت منذ عقد أغنيتها الشهيرة "مين إرهابي؟"، أو الفرقة الجزائرية "أم.بي.أس"، أو الفنان اللبناني الفلسطيني "ريس بك" (وائل قديح) الذي أنشد قصائد لمحمود درويش بالتعاون مع رودلف بورغر، وألف أغنية "وداعا شلوندورف" كتحية لعمل السينمائي الألماني حول الحرب اللبنانية.
وفي ليبيا حيث كانت سياسة القمع في أوجها، تطلّب ظهور الهيب هوب انطلاق الثورات الشعبية فيها، فما إن تحررت بنغازي من مليشيات القذافي حتى برز فنان الراب "هيما فامباير" (إبراهيم الكاديكي) أو فرقة "زحمة".
وكذلك الأمر في سوريا حيث أسس الأخوان محمد وياسر جاموس فرقة "لاجئي الراب" في مخيم اليرموك، لكن تهديد أجهزة الأمن لهما ولذويهما أجبرهما على العمل في السر، قبل اختيار المنفى حيث تمكنا من تأليف أغانٍ دمجا فيها مساهمات من داخل سوريا وخارجها، كما في ألبوم "زمن الصمت".
وضمن الإرادة نفسها لكسر جدار الصمت حول المجازر الجماعية، نشط فنانو الراب في غزة خلال العدوان الإسرائيلي عليها صيف العام 2014 لتوجيه رسالة إلى العدو الإسرائيلي والعالم نقرأها بوضوح في إحدى أغنياتهم "هيدي رسالتنا، نحن بعدنا أحياء، ورغم هالمأساة، منعلّم الحياة".
ومثل إنتاج الأخوين جاموس، نلاحظ في أغاني غزة دمجا بين إنجازات محلية وخارجية هدفه تأكيد وحدة الهوية الفلسطينية.
ولا يهمل المعرض الحالي إنتاج فناني الهيب هوب العرب المستقرين في الخارج، مثل الفنانة الفلسطينية البريطانية شاديا منصور التي تعيش في لندن وتشارك في مشاريع مختلفة في مصر وفلسطين ولبنان، أو المغني السوري عمر أفندم والمنتج الفلسطيني سامي مطر المستقرين في كاليفورنيا، واللذين تعاونا على نسخة جديدة من أغنية "الشعب يريد قلب النظام" استهدفوا فيها النظام السوري، أو الفنان العراقي الكندي "نرسيسيت" (ياسين السلمان) الذي وضع ألبوم "خوف كوكب عربي"، ويساهم بقوة في أعمال فنانين عرب.
ويشترك مغنو الراب العرب في الإرث الموسيقي نفسه مع مغني الراب الأوروبيين والأميركيين، لكن ما يميزهم هو القمع الذي اختبروه أحيانا بشكلٍ مباشر في بلدانهم.
فلمعاقبة "الحاقد" (معاد بلغوات) على حرية تعبيره، حاكمه القضاء المغربي ثلاث مرات وأدخله السجن في كل مرة. ومنذ أغنيته الشهيرة "بَرَكة من سكات" (كفى صمتا)، تعرّض بشكل ثابت لمضايقات على يد الشرطة المغربية.
وكذلك الأمر بالنسبة للشابين التونسيين "ولد الـ15" (علاء الدين يعقوبي) و"كلاي بي.بي.جي" (أحمد بن أحمد) اللذين عانيا من بطش الشرطة التونسية وجرت محاكمتهما، قبل أن تتم تبرئتهما بعد مسلسل قضائي صاخب.
وهذان مثلان لا يعكسان فقط علاقة الهيب هوب العربي بالثورات العربية الأخيرة، بل يبينان أيضا فعاليته الكبيرة وخوف الأنظمة العربية منه، وبالتالي الدور المهم الذي لعبه في تحريك شعوب المنطقة وضخ روح التمرد والاحتجاج فيها.