08-06-2015 04:40 PM
بقلم : د. مفلح فيصل الجراح
عادة لا تتجاوز أعمار الحكومات الأردنية المتعاقبة أكثر من سنتين إلى ثلاثة سنوات على أقصى تقدير وربما يعود ذلك إلى استقرار القرار الأردني بحدود مساحة كافية من العمل الحكومي بإطار تكليف ملكي يوجه الطاقم الحكومي نحو تنفيذ الرؤى الملكية ضمن برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية وثقافية وغيرها واضحة المعالم تعمل الحكومة على التقاطها ودراسة أفضل الطرق لتنفيذها على ارض الواقع ليرى الشارع الأردني أثرها ونتائجها وانعكاساتها على حياته اليومية ، وهذا بدوره يسهل عمل الحكومات بوجود القواعد العامة التي وفرها خطاب التكليف السامي ، فيكون طريقها في العمل والانجاز واضحا لا لبس فيه.
وهذا يفترض وجود أحزاب سياسية تطرح برامجها التي تتبناها في حالة وصولها إلى الحكومة لتعمل على موائمة تلك البرامج وتطويعها بما يتلاءم مع خطاب التكليف السامي الذي يكون دوره هنا التوجيه والرقابة الأخيرة لعملية التنفيذ حيث يسبق ذلك رقابة السلطة التشريعية على عمل الحكومة واستقلالية السلطة القضائية وبالتالي تكتمل العملية السياسية من خلال فعالية السلطات الثلاث والتي تتوج بمرجع أخير يحكم بينها ، مما يحقق لنا ميزة خاصة بوجود تلك المظلة الحامية لعمل كافة السلطات وهي مؤسسة العرش والضامنة للعمل السياسي بعدم خروجه عن الطريق الصحيح .
ومن الملاحظ سير الحياة السياسية الأردنية على استحياء شديد والتقوقع على نفسها وعدم قدرتها على عرض برامج وطنية شاملة لكافة منظومة العمل السياسي، وانتظارها بصمت حتى تأتي إرادة ملكية بحَثها على العمل والانطلاق ، دون تحضير مسبق لخطواتها وبرامجها، وربما يعود ذلك إلى عدم قدرتها على طرح برامج سياسية واقتصادية تواءم المرحلة الحالية أو يعود ذلك إلى خوفها من ردة فعل الشارع الأردني واكتفائها بان تبقى في الظل ، وما يندرج على الأحزاب الأردنية يشمل أيضا الكثير من النخب الأردنية التي تبوأت القيادة في السابق بحيث لم تقدم بعد خروجها من الحكم البرامج الفاعلة التي ربما لم تدركها إلا بعد خروجها من الحكم بحيث أن عامل التجربة والخبرة قد يسعفاها في ذلك، وللإنصاف خرج علينا بعض أصحاب الدولة بعرض أفكار وتصورات لا تصل إلى برامج متكاملة ، والاكتفاء بتداولها في ندوات هنا وهناك ولساعات محدودة بدون العمل على تأطيرها وتنظيمها لكي تكون برامج شاملة يعتمد عليها في إيجاد الحلول النافعة للقضايا الوطنية العالقة وخصوصا التوتر الأمني حولنا وتأثيره علينا وكذلك الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه المواطن الأردني .
وعلى ما اعتقد فان أبواب الحياة السياسية مفتوحة للجميع بحيث تنتفي مقولة التضييق على الحريات وتحديدا فيما يتعلق بتقديم البرامج السياسية والاقتصادية حتى ولو على أوراق نقاشيه ، إلا أن العزوف عن تقديم هذه البرامج والخطط وتبنيها من قبل الأحزاب والنخب أو حتى عدم معرفة الآخرين بها لتقصير من الأحزاب والنخب نفسها أو لعدم الاطلاع عليها من قبل المواطن الأردني أدى إلى عدم قدرتنا على المفاضلة فيما بينها لأننا لم نرى على الساحة وحسب علم كاتب المقال إلا ما قدمه الرئيس الرفاعي من برنامج سياسي اقتصادي متكامل واضح المعالم ( بنى أركانه الرئيسية على الأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك)، والمطروح للنقاش والتحاور بعيدا عن الشخصنة والولاءات المختلفة ، وهنا أوجه دعوة للجميع لمناقشة برنامج الرفاعي بكل موضوعية وحيادية والاتفاق على مبادئ مشتركة للنهوض بالعمل السياسي الأردني برمته من خلال الحوار البناء والهادف بعيدا عن قتل الشخصيات والاتهامات الجزافية، ولتكن مناقشة برنامج الرفاعي أولى محطاتنا وسيعقب ذلك تناول كافة البرامج التي يستعد أصحابها إلى تقديمها للنقاش ولا ضير في المفاضلة بينها للوصول إلى قواسم مشتركة على خلفية تلك النقاشات والحوارات البناءة وحتما سنصل إلى قرار حكيم ، والى ان يتم ذلك فهل يكون الرفاعي الرئيس القادم للحكومة الأردنية ؟ بناءا على برنامجه المطروح وليس لأي اعتبارات أخرى .