بقلم : زيد ابوزيد

 يأخذ بتلابيبي وأنا أسطر هذه المقالة في مدونتي الجهد العظيم الذي بذله الرواد الأوائل في أردن بني هاشم من قادة سياسيين و رجال تربويين أدركوا أن نهضة الأوطان ، و بناء الدول لا تقوم الا بالعلم والمعرفة و اكتشاف كل جديد ،و الاستفادة من تجارب الآخرين ، فكانت وزارة المعارف في عهد الملك المؤسس أول لبنة لتخريج جيل قادر على قيادة الوطن و الوصول به الى مصاف الدول المتقدمة ، ولكن هذه الرؤية ما لبثت أن تغيرت وفق رؤى جديدة تقوم على بناء النفس و تربيتها بالاضافة الى تعليمها و الاهتمام بنموها من كافة الأوجه ، فها هي الوزارة تأخذ مسمى جديداً يخضع لمتطلبات العصر و احتياجات الأطفال و الشباب انها التربية مجموعاً اليها التعليم .

لقد اجتهد الرواد الأوائل و العاملون في هذه الوزارة الى وضع مناهج جديدة اخذين بعين الاعتبار الاستفادة من تجارب غيرهم ، حريصين على التطوير و التغيير و التجديد كلما وجدوا حاجة الى ذلك وفق ما يجري في العالم من تقدم علمي في مختلف المجالات غير غافلين عن ضرورة التربية القومية والوطنية المتمثلة في الحرص على اللغة العربية والتاريخ العربي و التربية الاسلامية في ضوء الأصالة و المعاصرة ، ملتفتين الى تعليم اللغات الأجنبية التي أصبحت لغة العلوم والاكتشافات الحديثة .
وفي ضوء رؤيتهم الثابتة لمتطلبات العصر الذي يميل الى التخصص انطلق الرواد الى تقسيم التعليم في مطلع الستينات الى فروعه التي عرفت فيما بعد بالعلمي و الأدبي و التجاري و الصناعي و الشرعي ، و في ضوء نظرتهم الفاحصة لتقييم التعليم فقد رأينا الوزارة تجري امتحاناً و لأكثر من عام لطلبة الثالث الإعدادي (التاسع الأساسي الآن) رغبة في استكشاف قدراتهم و تحفيزاً لمعلميهم و مدارسهم على المنافسة الشريفة ، مع وضع برنامج تدريبي للمعلمين يتمثل في البعثات الدراسية و التربية العملية ، و استمرار التدريب بالمناهج كلما اتضح خلل هنا و هناك ، فازدهر التعليم و ان كان في أكثره يقوم على الاهتمام بالمادة الدراسية و الحفظ و ان كان في بعض جوانبه تعليم التفكير و الاهتمام بالمختبر رغم قلة الامكانات .
إن مسيرة التعليم لا يمكن أن تتوقف عند أراء جامدة و قوالب محفوظة فهي خاضعة دوماً للتغيير وفق مقتضيات الزمن ، و تجارب الدول المتقدمة ماثلة للعيان ، من هنا فالأبحاث قائمة و الاستبانات لا تتوقف و استكشاف القدرات و النجاح و الفشل جارية ، لتصحيح المعوج و السير قدماً في كل ما أثبت نجاحه و صلاحه . فلو نظرنا مثلاً الى دول المغرب العربي فإن الامتحان الاستكشافي جار لديهم في المرحلة الإبتدائية و المتوسطة منذ زمن .
وإذا عدنا الى الامتحان الاستكشافي الذي أجري في بلدنا هذا العام و الذي أخذ صدَاً و ردَاً من هنا و هناك، فالامتحان كما أطلق عليه استكشافي هدفه استكشاف مستوى التعليم المتمثل في المناهج و الكتب المدرسية و الموارد و التأهيل و الموارد البشرية و الإدارة تماشياً مع رؤية الوزير الإصلاحية ، فالاختبار هدفه تصويب بعض مظاهر الخلل التي يشعر بها كل مهتم بأمر التربية و التعليم خصوصاً ما يتعلق بأساليب التدريس والكتاب المدرسي , ولم يكن بالمطلق ذو وظيفة تقويمية للإنتقال من مرحلة إلى أخرى كالثانوية العامة , فنظرة الوزير الحكيمة أن يبقى المعلم لبنة أساسية في تقييم طلابه , ومن المعروف أن الوقوف على مستوى أداء الطلبة مبكراً يساهم مساهمة عظيمة في وضع سياسة تعليمية حكيمة وتحسين التعليم ومخرجاته , مما يؤدي بالتالي إلى بروز طلبة متميزين ومدارس متميزة ومعلمين متميزين وكل ذلك انطلاقا من القاعدة إلى قمة الهرم , وفي ضوء العودة إلى ما كتبه الكثير من المدونين على صفحاتهم نلاحظ توافقا كبيرا مع هذه النظرة , وإن كان البعض يعارضها إما لاسباب شخصية أو حزبية أو رغبة في الجحود والقعود أو وضع العصا في الدولاب إما لكسره أو لإيقافه حسداً من عند انفسهم كما رأينا مثلا في نقابة المعلمين التي ابتعدت عن المهنية وعن الإهتمام بشؤون المعلمين إلى الغرق في وحل المؤامرات والمناكفات لتحقيق أغراض إنتقامية وحزبية بعد الفشل التام في إدارة شؤون نقابتهم فكان هجومهم على معالي الوزير لا يبرره سلوك ولا منطق ولا اخلاقية مهنية , فالنقابة اولاً واخيراً شأنها شأن غيرها من النقابات إنما وجدت لتحسين اوضاع المعلمين لا رسم سياسة التعليم في الدولة , إن البعض قد جعلوا من تسريب بعض الإختبارات قميص عثمان فجلعوا يتاجرون به مصداقاً لقوله تعالى " وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها " مع أن التسريب أولاً واخيراً لا يؤثر على مصداقية الهدف متناسين أن وزير التربية والتعليم قد طرح بإصرار ( مدونة سلوك مدرسي فاعل ) يحكم سلوك المدير والطالب والمعلم والمرشد والمساعد وولي الأمر الذي يحكم الجميع بسلوك قويم سبيله الخلق الطيب والضمير الواعي وتحمل المسؤولية , والإنتماء الصادق للوطن والمهنة الشريفة , فأين من قام بتسريب الأسئلة وحلها لبعض الطلبة من ذلك .
من هنا فانا أصر على هذه المدونة ومحاسبة المخالفين لها حساب عسيراً بالإضافة إلى تأنيب الضمير والإنحراف عن الخلق السليم . إن الإختبار الذي لم يرد معالي الوزير أن تكون له أهمية إمتحان التوجيهي لم يأخذ له الجانب الأمني لأن الهدف مختلف وإن كان بعض من فقدوا ضمائرهم قد تعمدو أن يثيروا هذه الزوبعة حوله , فكيدهم سيعود إلى نحورهم ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) إن معالي وزير التربية والتعليم الذي يسترشد برؤية جلالة الملك المعزز الإصلاحية سائر في طريقه لأن جلالته يعرف أقدار الرجال حين نثر كنانته بين يديه فاختاره حكيماً مصلحاً إدارياً , وحين قلنا حين تولى الوزارة أخذ القوس باريها كان هو باريها . وقديما قالوا : إنَ لأصحاب المبادئ خصوم أخذ الله بيد وزيرنا إلى الإصلاح ورفع شأن هذا الوطن في ظل الراية الهاشمية المنصورة.