15-06-2015 04:38 PM
بقلم : د. مفلح فيصل الجراح
شعاراتنا كثيرة وكلامنا لا يتوقف ونحن نتكلم عن المبادئ والقيم والأخلاق ونؤمن أنها لا تتجزأ وإنها الركن الأساسي في بناء المجتمع الحضاري الذي تسود فيه المعرفة والثقافة والعدالة بإطار منهجي علمي يقوم على الشفافية والوضوح في كل شيء ، للوصول إلى حالة من الرفاه الاجتماعي المنشود والتمكين الاقتصادي المأمول والإصلاح السياسي الذي يقود البلاد إلى ثالوث الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .
والحق يقال أننا في الأردن قريبون من ذلك إلى حد ما ، ولولا وجود بعض المنغصات الاقتصادية التي تعتدي على قوتنا وخبزنا اليومي لكنا في حال أفضل مما نحن فيه بكثير، وان نسكت على حالنا هذا فان العواقب وخيمة ولا يحمد عقباها ، فما هو أصعب من أن لا تجد قوت يومك ومتطلبات حياتك اليومية وغيرك في الثراء يفرح وفي البذخ يمعن ، وأنت لا حول لك ولا قوة إلا بالله .
وفي هذا الواقع المرير أنت على شفا حفرة من نار قد تصيبك وتصيب غيرك فلماذا لا نبدأ بوضع حلول للمشكلة ؛ لا سيما وأننا قد شخصنا الحالة ببعدها المادي الخطير وآمنا بنعمة الأمن والأمان ونتباهى باستقرار بلدنا ونفخر بقيادتنا ، فإذا أين تكمن عدم قدرتنا في معالجة هذه الحالة الاقتصادية المريرة التي نعاني منها ؟ ولان الحديث لا ينتهي عن الوضع الاقتصادي العام فلن أتطرق إليه ، ولكنني سأنحى باتجاه آخر يتعلق بمواطننا نفسه ، بعيدا عن الحكومات وكواليسها ، وبنظرة سريعة لا تحتاج إلى جهد كبير أو خبرة بحدها الأدنى حتى ، نرى أن الكلمة أصبحت لمن يملك المال فقط ، حتى ولو كانت خطأ ، فسادوا هم الموقف وتركت الساحة لهم فانحرف التقييم الإنساني الأصيل عن ضوابطه الأخلاقية والدينية ، فانجر الكثير إلى بيوت الأغنياء يلهثون وراء أمل ضائع في لقمة العيش التي هم فعلا بحاجة إليها ولان خياراتهم محدودة فإننا قد نجد لهم العذر في ذلك ، فظهرت أصوات هنا وهناك تدافع عن هؤلاء لا بل قد ظهرت جماعات تتبنى الأعذار في التبعية تلك ، وتكيفها حسبما تشاء تحت شعار أن المال سيد الموقف .
وقد أصبحت هذه الحالة امرأ واقعا مسيطرا ليست بحاجة لمن يدافع عنها ، فهذا السيد لا يجرؤ احد على انتقاده لأنك اكتشفت أن هناك مفعول آخر للأموال يعمل على حجب الرؤيا ، وتجميل المشوه ، فانعدمت النظرة واختزلت نفسك بمشاهدة الأشياء التي يود هم أن تشاهدها ؛غارقا في حلمك الذي لا ينتهي فأصبحت تابعا لغيرك ، فلا أنت تستطيع التوقف لأنك لا تملك شيئا لتفعله ، وأيضا لا تستطيع أن ترى الطريق المرسوم أمامك لأنك أصلا أيقنت انك لا تريد أن ترى .
وفي ظل هذا الحال الأسود كيف تنهض وتنفض الصدأ الذي ران على قلبك وعقلك وأنت أيقنت انك لا تستطيع فعل ذلك لوحدك ، فالقرار لهم والوجاهة لهم والعزائم لهم والصفوف الأمامية لهم واللحوم والشحوم لهم وتذاكر السفر لهم والتأثير لهم والعلاقات المؤثرة لهم والصور والفيديوهات لهم والمديح لهم ؛ فماذا بقي لك ، أيها المسكين الذي تخفي غضبك بوجه من يستحقونه وتذهب وتنثره بوجه الحكومات لكي تريح نفسك وأنت تعرف أن من تذهب إلى بيوتهم كل يوم آملا بفرصة عمل أو بجلسة مسائية حالمة هم سبب وجعك وآلامك؛ فالأحسن لك بعد أن أيقنت الحقيقة أخيرا أن (تقعد وتسكت ) .