16-06-2015 03:04 PM
بقلم : طارق الحايك
يكون أحدهم ملاصقاً لك حد الاختناق، ملازماً لك حد الضجر، لا تلبث أن تبتعد عنه سويعات قليلة حتى يقفز إليك من نافذة المحادثة في الفيس بوك أو الواتساب كالقدر المستعجل، ويصر على دعوتك لسهرة هنا أو عشاء هناك، وإن حدث واتصلت به على هاتفه يجيبك فوراً وحتى قبل أن تكتمل الرنة الأولى، وبلهجة المشتاق يلقي عليك ديباجة الترحيب المعهودة؛ هلا يا غالي.. هلا يا كبير، وحين تلتقي به يهب إليك مشتاقاً فيطبع على وجنتيك أربع قبلات "لازمات" بلهفة من رأى حبيباً غاب عنه دهراً كاملاً، ثم يسألك عن أحوالك وما استجدّ من أخبارك خلال الفترة التي انقطعت عنه فيها ـ وهي قد لا تتجاوز يوماً أو اثنين ـ والتي لا يحلو له سماعها إلا بعد أن يدعوك إلى فنجان قهوة تقضيان في احتسائه نصف ساعة لا يتوقف خلالها عن "الرغي".!
يحدث أن هذا الصديق أو الزميل "الودود جداً" المتاح دوماً، يكون له دالـّة على شخص لك عنده حاجة، فتطلب من هذا الـ "الصاحب" أن يعينك على قضاء مسألتك، أو قد يحدث أن يكون لقريب لك حاجة أو معاملة عنده هو شخصياً فتطلب منه تسهيل أموره... "إبشررر".. تنزل عليك كالماء البارد للضمئآن، يتبعها وعد بأن مسألتك أو معاملة قريبك مقضية بإذن الله، وبصرف النظر عن كونه برّ بوعده أم لا ـ فالقضية ليست هنا ـ يطرأ تحول مفاجئ على شخصيته وطريقة تواصله معك، فملازمته لك تضمحل حد انك تظن أن مكروهاً ألم به، ويصبح نادر الظهور في نوافذ المحادثة، وبعد أن تكرر اتصالك به مرات عدة يجيبك بلهجة متثائبة معتذراً لإنشغاله بـ "أمور مهمة" لا يفصح لك عنها؛ مع أنه طالما كان يغرقك بأخباره حتى أبسطها وتلك التي لا تعنيك، وطبعاً تتوالى انشغالاته حتى لا تكاد تسمع منه أو تراه إلا مرة كل بضعة أسابيع، مع أن تغييراً على وضعه لم يحدث من أي نوع؛ لا على الصعيد الوظيفي ولا على الصعيد الشخصي ما يمكن أن يبرر كل هذا الانشغال، والأنكى أنه حين "يتاح" لك أن تجتمع بـ "عطوفته" يصبح قليل الكلام، لا يتحدث إلا كي يلقي من عل ٍ تعليقاً بسيطاً، شحيح الابتسامة حتى تكاد من فرط الرهبة تشعر أنه أحد اللذين نشاهدهم في نشرات الأخبار دون أن يتاح لنا رؤيتهم في العمر كله إلا مرات معدودات.
قبل عدة سنوات قصدت أحدهم لمساعدتي في مسألة، وكان شخصاً بالغ الجلافة، أجابني دون مواربة أنه لا يحب الوساطات واعتذر عن مساعدتي، وقتها كرهت ذاك الرجل كما لم أكره أحداً في حياتي، لكن بعد أن انقضت الأيام احترمت فيه صدقه وعدم مراوغته، وما زلت حتى اللحظة أحترمه لأنه على الأقل لم يقدم لي وعوداً كاذبة، على أن جوهر المشكلة الحقيقي ليس هنا، فالكذب والمرواغة وإخلاف الوعد أمور باتت مما عمّت به البلوى، وهي على سوءها باتت مفهومة، غير أن العصي على الفهم هو سر هذا الانقلاب في تعامل شخص يفترض أنه صديق، صديق يصبح التواصل معه أصعب من التواصل مع رؤساء الدول... فقط لأنه ظن أنك أصبحت إليه محتاجاً، وما أكثر هؤلاء اليوم.
Tariq.hayek@yahoo.com