22-06-2015 09:56 AM
بقلم : أ.د.عدنان مساعده
لنعترف وإن كانت الحقيقة مرة أن الجامعات أصبحت تفقد من إستقلاليتها وأن هيبة الإدارة الجامعية أصبحت في مهب الريح، وخصوصا بعد أن ظهرت موضة تشكيل لجان التقييم هنا وهناك من قبل مجلس التعليم العالي التي لم نسمع عنها من قبل عبر مسيرتنا الاكاديمية، حيث كان الأمر مناطا بمجالس أمناء الجامعات. وعلى سبيل المثال فان جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية، ومن خلال معرفتي وبمنتهى الأمانة فقد إستمرت مسيرة البناء والتطور والتوسع في مختلف المرافق حيث حرصت إدارة الجامعة وكل العاملين فيها على توفير بيئة تعليمية متميزة، يرافقها بيئة جمالية خضراء نظيفة، وحظيت الجامعة بشرف التكريم الملكي السامي حيث منحها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وسام الحسين للعطاء والتميز الذي جاء تقديرا من جلالة راعي الإبداع والتميز لهذا الصرح العلمي الوطني. واستطاعت الجامعة أن تترجم رؤية جلالة الملك وتوجيهاته فكانت بحق منارة علم وفكر وحاضنة وعي وإحترام للتنوع بعيدا عن أفق ضيق متزمت والإنطلاق إلى فضاءات المعرفة وتقبل الآخر بانفتاح واع وعقلية متطورة ترفض الجمود وتسعى للتجديد والتحديث.
ولكن المتابع للمشهد من ألفه الى يائه، يصدم بما آلت إليه نتائج التصويت التي ظلمت فيه جوهرة الجامعات من قبل بعض أعضاء مجلس التعليم العالي الذين صوتوا بعدم التجديد للدكتور عبد الله ملكاوي لدورة ثانية وظلمت كذلك هيبة ادارة الجامعة دون وجه حق حيث ان تقرير اللجنة المشكلة برئاسة دولة الدكتور عدنان بدران كان ايجاببا، وكان رأي بعض أعضاء مجلس التعليم العالي مخالفا، مما يفسر ان هناك قوى ضاغطة تتناولها الاوساط الاكاديمية تدخل ضمن دائرة الصراعات التي نجحت في تشويه صورة المشهد الحقيقي لادارة الجامعة لغاية في نفس يعقوب (مجلس التعليم العالي) مع ان الواقع غير ذلك فجوهرة الجامعات حققت نجاحات وكان آخرها تصدرها للموقع الأول في امتحان الكفاءة بين الجامعات الاردنية إضافة الى تميزها بالإستقرار الأكاديمي والمالي وخلوها من كل مظاهر العنف.
إن بوصلة مجلس التعليم العالي قد انحرفت مرة أخرى بعدم التجديد لرئيس جامعة اليرموك الدكتور عبد الله الموسى الذي نجح هو الآخر متابعة انشاء كليات جديدة مثل كلية الطب والصيدلة ونجح ايضا في تحقيق الاستقرار المالي لها بتخفض مديونيتها بدرجة جيدة. لقد أصبحت الأوساط الأكاديمية تنتقد أداء مجلس التعليم العالي لأنه ساهم في زعزعة وهيبة الإدارة الجامعية برمتها، فهل مجلس التعليم العالي إلتزم الحياد والموضوعية؟ وهل الإمتناع عن التصويت يصب في صالح تطوير التعليم العالي والاصلاحات التي نتشدق بها منذ فترة طويلة ولم نلمس تطورا حقيقيا لمسارات التعليم العالي سوى قوى تتصارع هنا وهناك ويكون ضحية ذلك الذين يعملون ويحافظون على انجازات مؤسساتهم كما حصل مع الملكاوي والموسى. وأتساءل كما يتساءل معي الكثيرون هل أصبح دور مجالس الأمناء مغيبا في هذا الشأن في ظل تغول مجلس التعليم العالي على إدارة الجامعات وعلى مجالس أمنائها كما أشار الى ذلك معالي وزير التعليم العالي؟ حيث أن من صلب عمل مجالس الأمناء ترسيخ إستقلالية الجامعات لننأى بهذه المؤسسات الوطنية عن صراعات ممن يسمّون أنفسهم بأقطاب التعليم العالي كما يتردد في الأوساط الأكاديمية. ان ما آلت إليه الأمور يا دولة الرئيس لا يخدم مسيرة التعليم العالي في أردننا الغالي ولنحافظ على تلك المؤسسات الناهضة كجامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية التي لا يختلف عليها منصفان يتسمان بالموضوعية ومراعاة الصالح العام وتغليب مصلحة التعليم في أردننا على كل الدعوات الضيقة والجامدة التي تستند الى القتل المعنوي وتشوية صورة شخصيات المخلصين الذين حققوا نجاحات كبيرة، حيث ينطلق هذا التشويه من أنانية منفرة أو شوفانية مقززة تسعى الى قلب الحقائق التي أصبحت لاتنطلي على أحد في الوسط الأكاديمي النظيف والموضوعي. واذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح وأن نعيد لها التوازن والأنصاف فمن العدل والحكمة ان نحفظ للإدارة الجامعية هيبتها وألقها لأنها مؤتمنة وتحمل رسالة عظيمة تجاه بناء الأجيال، بل وبناء المستقبل في مختلف مسارات الحياة. لا نريد ان ننعى التعليم العالي في ظل التخبط الذي نشهده كما كتب من قبل البعض، وكما يتردد من قبيل الدعابة الجادة من قبل العاملين في الحقل الأكاديمي أقامة خيمة عزاء مقابل مسجد الكالوتي لما آلت إليه المشاهد الاخيرة من النيل من الإدارة الجامعية بكل مستوياتها ومنها التقليل من شأن شخصية رئيس الجامعة الاعتبارية. فهل يا دولة الرئيس نمتلك القدرة لإعادة الهيبة من جديد لمؤسساتنا التعليمية ورموزها التي عملت بصدق وضمير، ولنتذكر قول أحد الفلاسفة الذي خرج من شرفته يخاطب الناس بعد ان رأى تراجعا في التعليم في بلاده قائلا: أيها الناس اذا سقط العالِم (بكسر اللام) سقط العالم (بفتح اللام) فهل نحن فاعلون؟ من أجل أن تبقى جامعاتنا منارات علم وحاضنات وعي وفكر ونهضة كما وصفها قائد مسيرة العلم والعلماء جلالة سيدنا الملك المعزز عبد الله الثاني بن الحسين أعزه الله وأدام ملكه.