23-06-2015 10:16 AM
سرايا - سرايا - بين الاستسهال وتكاثر وسائل الإعلام والاتصال، وبين رغبة هواة الكتاب بالبروز والتقدم في المشهد الأدبي، اختلط الحابل بالنابل، في أجناس أبداعية عديدة، غير أن حالة خاصة رافقت قصيدة النثر، إذ يستسهل كثيرون الدخول إلى ساحة الشعر من بوابتها.. ويتكئون عليها دون أن يعرفوا أسس فن الشعر أساسا. «الدستور» اتصلت بكوكبة من كتاب قصيدة النثر، وتساءلت بين أيديهم حول (التحديات) التي تواجه هذه القصيدة، والأسباب التي دعت كثيرين إلى (التجرؤ) عليها، فكانت هذه الرؤى.. د. سلطان الزغول: ثمّة نفور وعدم تواصل في علاقة القارئ العربي بقصيدة النثر، فهو قد تربّى في أحضان النصّ الشعري التقليدي، وجعل منه معيارا للتعامل مع أي نصّ، فكيف له أن يتواصل مع قصيدة تعبّر عن المستقبل؟ ربما كانت قصيدة النثر هي التجلي الأبرز لحركة الحداثة، فمن تغلغلت الحداثة في روحه على المستويات كلها لا بدّ سيتقبلها ويرحب بها، أما من يعاني انفصامات على المستوى الاجتماعي أو الفكري، من يعيش بجسده في الحاضر وتنتمي روحه إلى الماضي فكيف له أن يتقبل تجليا من تجليات الحداثة في منطقة الشعر التي ينظر إليها كمنجز ماضوي لا يمكن الإضافة إليه إلا بالبناء وفق نهجه الثابت، أي إضافة أبيات متتابعة تخضع للنظام الذي تجذر وصار جزءا من الماضي المكتمل والمرتبط بالمقدس. طبعا أنا لا أقصد محاولات كثيرين يستسهلون الدخول إلى منطقة الشعر من زاوية قصيدة النثر، يتكئون عليها دون أن يعرفوا أسس فن الشعر أساسا. إنني بصدد الحديث عن نص يمتلك وعيا فلسفيا فكريا بحركة التاريخ. نص قادر على فتح آفاق جديدة، وهو بحاجة لقارئ واع بتراكماته الثقافية، بذاكرة هذا النص ومساراته. غازي الذيبة: تكاثر وسائل الاعلام والاتصال منح كل هواة الكتابة فرصة العمر ليبرزوا عبر قصيدة النثر ويقدموا أنفسهم وفق مبالغات اعلامية تدعي أنهم راسخون في الكتابة والشعر، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن يُقبل (شاعر فيس بوك) عضوا في رابطة الكتاب أو تطبع دار نشر معروفة كتابا له أو يمثل الأردن في مهرجان شعر عالمي. لقد جرى التعدي في العقود الماضية على بنياننا الثقافي من الطغاة والمستبدين ما أهل المرحلة التالية لأن يتعدى على هذه الثقافة أنصاف موهوبين و(متشاعرين)، من هنا أقول: تشكل قصيدة النثر فضاء استثنائيا في تاريخ الشعر الإنساني وهي تحتاج إلى شاعر متدرب ومجرّب كي يقترب منها ويخوض في غمارها، وكذلك قصيدة النثر تحتاج أيضا إلى ثقافة عالية ومعرفة كبيرة بالأساطير والمثيولوجيا والإنسانية والديانات. جميل أبو صبيح: كثيرون استسهلوا كتابة هذا النوع من الكتابة ودعوها قصيدة النثر، فامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بكل من أقام له حسابا على تلك الصفحات، وكونوا لهم مجموعات ومسميات خاصة، وصفحات مفعمة بشتى أنواع الكتابة النثرية والعواطف المنفعلة والألوان، وغاب عنها الشعر. اعتقد هؤلاء أن قصيدة النثر خالية تماما من الموسيقى. لقد سيطر عليهم وهْم أن الموسيقى هي رتابة أوزان التفاعيل العروضية، فتكاثروا وتناسلوا وانتشر الغثاء، وتسطحت الجملة وسادت لغة النثر العادية. أقول لهؤلاء أن قصيدة النثر لغة شعرية متطورة، هي ثمرة ناضجة للغة القصيدة البيتية بتاريخها العربي العريق وقصيدة التفعيلة، وعلى شاعر قصيدة النثر أن يكون شاعر قصيدة الموروث العربي وقصيدة التفعيلة، وبدون هذا تكون تجربته ناقصة ولغته الشعرية مشوهة، حتى وإن نال مساحة واسعة من الانتشار. أيسر رضوان: أن تكون شاعراً يعني أن تكون موهوباً وأن تعيش حلماً معبأ بالفراشات ثم تكون لديك المقدرة لأن تكتب ما صار إليه فكرك وحلمك على شكل قصيدة، الإشكالية اليوم في كثرة الذين لا يملكون الموهبة ويدعون الشعر ثم إنهم يستسهلون أن يكتبوا قصيدة النثر وكأن باعتقادهم أن هذا الفن الشعري ولأنه لا يحتاج لأي وزن فإنه مشاع لأي أحد فيظنون إذا كتبوا أي كلام نثري فقد صار قصيدة نثر وهذا ما ينتشر حالياً على صفحات التواصل الإجتماعي لأنهم استيقنوا أن المجال مفتوح ليلقوا كلامهم جزافاً ويطلقون عليه قصيدة نثر، هم لا يعلمون بأن قصيدة النثر ليست من السهولة بمكان لأنها تحتاج لثقافة عالية وتحتاج مقدرة أعلى كي تحول النثر إلى شعر بعيدا عن الأوزان، وهم لا يعلمون أن خيطاً رفيعاً يفصل بين قصيدة النثر والخاطرة، ما يكتبه الكثيرون ممن يدعون أنهم شعراء قصيدة نثر كما نشاهد اليوم في بعض الكتب المنشورة أو في صفحات التواصل الاجتماعي فما هم إلا كُتّاب خاطرة لا أكثر وعليهم أن يراجعوا أنفسهم ويعودوا عن ما هم فيه لأنهم شوهوا هذا الفن الراقي المسمى قصيدة النثر