26-06-2015 03:51 PM
بقلم : د. مفلح فيصل الجراح
كم من عائلة أردنية انعم الله عليها أن تكون قريبة من مؤسسة العرش ، فعلمت أكثر من غيرها بطريقة تفكير الهاشميين ونهجهم وأولوياتهم التي أصبحت نبراس علم ونور لن يخبو أواره وسيبقى متوهجا مادام هناك نبض وحياة ، و سيبقى مُرشد لكل باحث عن حقيقة ، ومُتطلع نحو مستقبل مشرق تسود به حرية الرأي والفكر والمعتقد ، وسيبقى منبعا لا يجف للحرية والكرامة والعدالة .
فكانت هذه العائلات محظوظة إلى ابعد الحدود بان حازت على ثقة الهاشميين ومحبتهم ، فهنيئا لهم ذلك ، فتبوأت أفرادها مسؤوليات كبيرة بحكم الثقة التي حازوها، فانشغلوا بالعمل السياسي بحكم ظروفهم تلك، فعملوا وأنجزوا وأبدعوا واجتهدوا فاخطئوا وأصابوا ، وقدموا من جهدهم وعرقهم الكثير، وارتبط اسمهم بأحداث كبيرة مر بها الوطن ، ورأى فيهم البعض البطولة والتضحية ، والبعض الآخر رأى غير ذلك ، ولكننا اجتمعنا جميعا على تاريخهم العريق في العمل السياسي المضني ، قد ننتقده نعم ولكن لا نُجًرحه ، وقد نتفق معه نعم وقد نختلف ، ولا يعيب عليهم أنهم كانوا موضع ثقة واحترام من العرش المفدى ولا يضيرهم أن تبؤوا المناصب العليا أبا عن جد ، بل ننظر إلى حجم انجازاتهم وأعمالهم ونضعها تحت المجهر بشفافية وموضوعية بعيدا عن الأهواء الشخصية والمهاترات اللفظية التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، فها هو التاجر يعلم ابنه فنون التجارة ، وها هو المحامي يدرس ابنه المحاماة، وهكذا... فلا ضرر في أن يكون للسياسي ابن سياسي .
وللأسف تشهد الحياة السياسية الأردنية بشخوصها وأعمالها ، هجوما غير مبرر من البعض بالتركيز على مفهوم التوريث بين العائلة الواحدة في المناصب العليا كرئاسة الحكومة مثالا؛ وهذا اتهام بغير محله لسبب بسيط جدا ؛ وهو أن الذي يأمر بتشكيل الحكومة هو الملك وليس والد هذا أو ذاك والى هنا انتهى الأمر ... نقطة وسطر جديد .
وقد أتفهم تلك الأصوات المعارضة والتي تكيل التهم هنا وهناك فربما يكون ذلك عن عدم دراية ، أو تضليل في المعلومات المبنية عليها آراءهم ، أو سماعهم لإشاعات مغرضة ليس لها هدف إلا التشويش والخراب ، فربما بجلسة حوار أو نقاش هادئ تستطيع أن تبين لهم الحقائق على وضوحها فربما يحدث ذلك تغيير أو على اقل تقدير مراجعة لمواقفهم المتخذة ، ولكن ما لا افهمه الصمت غير المبرر للذين عملوا بحكومات هؤلاء الرؤساء ، وعدم سماع صوتهم ، والامتناع عن الإدلاء بآرائهم من خلال عملهم وقربهم من رؤساء حكوماتهم ، ليكونوا شهود عيان على الأحداث والقرارات التي عاشوها أثناء توليهم مسؤولية وزاراتهم، وفي صمتهم هذا كأن لسان حالهم يقول : اذهب أنت وربك فقاتلا وإنا نحن هنا قاعدون، ويعود صمت هؤلاء برأي كاتب هذا المقال إلى أمرين لا ثالث لهم ، والأول يتعلق بخوفهم من مواجهة الأصوات المنددة والمعارضة لكل الحكومات فلا يقوون على مواجهتها بالمنطق والدليل الحي من واقع التجربة التي مارسوها وعاشوها أثناء عملهم، وأما الأمر الثاني فخوف هؤلاء من أن تحسب أرائهم لحساب رؤساء حكوماتهم ، وبالتالي تتضاءل فرصهم بالعودة إلى مواقعهم في حال عودة رؤسائهم بحجة الاستشعار بالحرج من قبل هؤلاء الرؤساء بالابتعاد عمن كانوا يكتبون لصالحهم ، حتى لا يقال أن اختيارهم بني على أساس المنافع الشخصية الضيقة ، وهذه مبررات لا يقبلها عقل، ولا ترضى فيها أبجديات الرجولة مهما اقتضت الضرورة إلى ذلك، والطامة الكبرى انه يكون وبنفس وقت غيابه عن سرد الحقائق وعدم عرض تجربته أمام الرأي العام خلال عمله مع هذا المسئول ناشطا في دعمه وتأييده بطريقة مرهقه على الخاص وبسرية تامة .
فمن بديهيات النجاح في أي عمل جماعي على وجه الأرض اختيار فريق العمل الذي تثق به أولا مصحوبا بالكفاءة والدراية والاختصاص والتكامل ثانيا ، فكيف لك أن تعمل ضمن فريق مشتت لا تعرف إمكاناته وأركانه وليس لديك الثقة بقدرته على العمل والإبداع والانجاز ، فمن حقك أن تختار الفريق الذي يعمل معك حتى تحقق النتائج المرجوة منك ، لأنك بالآخر ستكون المسئول الأول والأخير عن نجاح فريقك أو فشله .
والاهم من ذلك كله أن تكون رجلا في التعبير عن مواقفك وآرائك مهما كانت الظروف وتبدلت الأحوال ، فالطريق دائما لمن صدق وليس لمن سبق ، فلا تكن مجرد شخص يميل حيث مالت الريح ، بل إصدع برأيك مهما كلف الأمر ، دون أن تعتدي على آراء الآخرين ، واعلم أن الأمور كلها بيد الله عز وجل ولن يصيبك إلا ما كتب الله لك ، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين .