28-06-2015 10:24 AM
بقلم : د. إبراهيم بدران
عاد الحديث عن المشروع النووي خلال الندوة التي أقامتها جمعية “ إدامة” واستضافت فيها شخصيات تحدثت عن المشروع النووي المزمع السير فيه، علماً بأن “إدامة “ تعني بالطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. واللافت للنظر أن ما تم تقديمه في الندوة لم يكن شيئاً جديداً يضيف معلومات حقيقية تزيل الغموض عن المشروع ، ولا إجابات مقنعة عن الأسئلة المعلقة والتي يطرحها الخبراء والمتخصصون منذ سنوات سواء كانت هندسية أو تكنولوجية أو لوجستيكية أو اقتصادية أو أمنية أو بيئية. بل جرى الحديث باتجاه العموميات الإيجابية الخاصة بالمحطات النووية، والانجازات التي” تم تحقيقها” و لم يلمس وجودها أحد. وكأن الحوارات والنقاشات والتساؤلات التي يطرحها الخبراء من جهة، والرأي العام من جهة أخرى، لا إجابة لها سوى الهروب إلى العموميات و تكرارها. وهذا يعكس حالة سائدة لدينا و في المنطقة العربية عموما، ألا وهي:” أن الحوار لا يعني لدى البعض الانفتاح على الرأي الآخر والإفادة منه، و إدخال التعديلات والإصلاحات اللازمة، وإنما يعني مجرد الإصرار على الموقف ،إنطلاقا من المبدأ السائد لدى الإدارات العربية،و القائل “ الجمهور يقول ما يشاء و نحن نفعل ما نشاء”.
لم نسمع من رئيس هيئة الطاقة النووية إجابة على الأسئلة المتعلقة بالحجم الضخم المبالغ فيه للمحطة النووية المقترحة مقابل الشبكة الكهربائية الوطنية الصغيرة، والحمل الأقصى الصغير نسبيا.و هي مسألة هندسية خالصة. ولا إجابة على مشكلات المياه اللازمة للتشغيل و هي ستكون على حساب الزراعة.ولا من أين ستأتي المياه إلى المحطة إذا وقع حادث كبير فيها لأي سبب من الأسباب . ولم يذكر أي شيء عن الكلف الإضافية المصاحبة للمشروع سواء ما يتعلق بالشبكة الكهربائية و التغييرات الكبيرة فيها، أو الطرق و متطلبات النقل،أو كلفة الحماية أو الإخلاء عند حوادث التلوث الإشعاعي، وغير ذلك الكثير.
بل سمعنا عن “انجازات لم تتحقق” مثل اليورانيوم الذي لازالت تحيطه الكثير من الملابسات والغموض، على الرغم من أن هيئة الطاقة النووية كانت أعلنت أن الأردن سيصدر 2000 طن من اليورانيوم العام 2012 . ونحن اليوم في العام 2015 و لم يتحقق شيء. وليس هناك صورة واضحة و أكيدة عن تعدين اليورانيوم و بأي كلفة وأي كمية ومتى وأين. فهل من المفيد أن نردد انجازات لم تتحقق؟
ومن جانب آخر عندما جرى الحديث عن اقتصاديات المشروع تم التصريح من أحد المشاركين المرموقين، بأن المحطة سوف تسترد رأسمالها خلال (3) أو (4) سنوات.هل يعقل أن مشروعا بكلفة 10 مليارات دولار، يضاف إليها كلف أخرى قد توصله إلى 15 مليار دولار أو أكثر، يمكن أن يعطي عائدا سنويا بمقدار 25% أو 33% ؟ إن هذا نوع من التبسيط والتهوين الذي لا يحقق أية مصلحة وطنية ،بل العكس يحقق أضرارا جسيمة. ذلك انه لا يوجد محطة واحدة في العالم استطاعت أن تسترد رأسمالها خلال (3) أو (4) أو (8) وحتى (12) سنة . وإذا كانت ربحية المحطات النووية 25% أو 30% سنوياً فلماذا لا يتسابق المستثمرون في جميع أنحاء العالم على الاستثمار في المحطات النووية؟ وينشرون المحطات النووية في (200) دولة بدلا من أن تكون محصورة في (31) دولة فقط؟ يستثمرون، لكي يستردوا رؤوس أموالهم خلال (3) أو (4) سنوات ويستمرون بعد ذلك في جني الأرباح بمعدل 25% أو 30% لمدة 50 أو 60 عاماً؟
وهل يعقل أن يتم الحديث عن الطاقة النووية وكأنها قدر من السماء لا بديل عنه ولا مفر منه؟ رغم تكرار الحديث عن مشكلات ليس لها حل حتى الآن؟ وفي نفس الوقت لا يتم الحديث عن بدائل الطاقة الأخرى المتاحة للأردن وفي مقدمتها الصخر الزيتي والطاقة الشمسية والرياح والفحم؟ لماذا لا يسعى المتحدثون إلى خلق حالة من الوعي المتوازن لدى الجمهور؟ وأول خطوات التوازن هي المعلومة الصحيحة الكاملة وليس نصف المعلومة أو ربع المعلومة.
لماذا لا يشار إلى أن كلفة الكهرباء من الطاقة الشمسية و الفحم أصبحت أدنى من النووية؟ و أن الصخر الزيتي والفحم هما الأفضل لحمل الأساس؟ و لماذا لا يشارإلى الصعوبات التكنولوجية و الإنشائية التي تعترض المفاعلات الروسية وطول فترة البناء التي تتراوح بين 15 و25 عاما؟ ولماذا لا يشار إلى ارتفاع التكاليف أحيانا إلى (3) أضعاف القيمة التقديرية، كما حصل في الهند وروسيا وبلغاريا؟ لماذا لا يشار إلى تكاليف معالجة النفايات النووية وتكاليف التأمين على المحطة لسلامة المحيط من الأرض والمواطنين؟ إضافة إلى تكاليف تفكيك المفاعلات بعد انتهاء عمرها التشغيلي في الظروف الطارئة.؟
إن أحدا لا يناقش لأجل النقاش، أو لأنه لا يريد أن يكون لدينا أفضل منظومة طاقة و أكثرها تقدما تكنولوجيا، وأفضلها اقتصادية، وأعلاها أمانا. ولكن هدف النقاش والتكرار هو الحصول على إجابات علمية مقنعة حتى نطمئن إلى المستقبل. فللمرة المائة نقول :أين هي الإجابات؟