30-06-2015 10:00 AM
بقلم : حازم خالد ابوعويضه المشاقبة
الضيافة عند البدو أمر عظيم لا يفوقها أي أمر آخر، وإكرام الضيف هي الصفة الملازمة لأهل البادية، وهي أحد أركان عاداتهم وتقاليدهم التي توارثوها ، فللضيف مكانة عظيمة في نفس البدو لا يتوانون في تقديم لهُ حقه من الضيافة، وذلك متى ما دخل في مضربهم وحل في حماهم.
ولا شك أن كرم الضيافة طبع أصيل تميز به العرب عن غيرهم من باقي الأمم، فالضيف عند البدو هو الشخص إذا وفد إلى موضع غير موضعه أو الجماعة إذا حلت عند جماعة أخرى ويسمون "فريق أو قصراء".
ويقدم للضيف حق الضيافة حتى لو كان عدواً ما دام أنه نزل أو دخل بيت مضيفه لأن من دخل البيت فقد أمن على نفسه وخاصة إذا تناول طعاماً أو شراباً فيصبح في مأمن ولو كان في وكر عدوه.
ومن مسميات الضيف عند البادية "المسايير" ومفردها "مسيّر" بتشديد الياء،والمعزب هو المضيف صاحب البيت، وجمع معزب معازيب وهم أصحاب البيت وأهله، فالضيف عند نزوله في بيت مضيفه "المعزب" يكون ضيفاً على أفراد العائلة كافة، فالجميع يهتمون بأمره كل حسب اختصاصه وواجبه، فالرجل صاحب البيت هو المسؤول الأول عن التنسيق في طريقة الكرم، وحقوق الضيف عند نزوله في بيت مضيفه كثيرة يجب الوفاء بها متى ما حل على أصحاب البيت.
ضرب الفنجان بفم الدلة،وهذه العادة منتشرة جدا وهي ضرب الفنجان بفم الدلة بعد الانتهاء من صب القهوة وقبل تقديمه للضيف مباشرةً وهي حركة جميلة وتصدر صوتاً موسيقياً.. ومنهم من يقوم بها بإتقان ومنهم من يثلم فنجانه أو يكسر جزء منه..
ويعود تاريخ هذه العادة إلى ما قبل القرن العاشر الهجري وقبل اكتشاف قهوة البن !!
حيث كان عرب الجاهلية يضربون الأقداح التي يقدمون فيها المشروب لضيوفهم بهذه الطريقة والدليل على ذلك ...
قول الشاعر الاموي.. المغيرة بن عبد الله
افنى تلادي وما جمعت نشب ** قرع القوارير أفواه الأباريق
وقام بشرحها ابن منظور في كتابه ( لسان العرب(
وكان شرحه بياناً لكيفية القيام بهذه العملية .
قول يالله حَيّه ، اعتدنا عند تقديم الشراب والطعام للضيف، وقول هذه الجملة التي تدل على مدى السرور والفرح بقدوم الضيف وهي تمتد إلى مئات السنين والدليل ان الشاعر (الأخطل) ذكرها حيث قال:
تمر بها الأيادي سنيحاً وبارحاً ** وتوضع باللهم حي وتحمل..
أي اللهم حيه ولكن حذفت الميم للتخفيف ..
والمراد أن الشراب كان يقدم يميناً وشمالاً مصحوبا بكلمة الترحيب يالله حيهم.
تقديم العرب الأيمن ، لكثير منا يقدم المشروب لضيوفه ويبدأ من اليمين ..أو من اكبر القوم سناً..أو من اكبر القوم سعة أو منزلة ..ومن أوضح الأدلة على قدم هذه العادة حث الرسول (صلى الله عليه وسلم) على تقديم كبار السن على الصغار وعلى إنزال الناس منازلهم ...
يقدم له الطعام ساعة حضوره حتى لو كان في وقت متأخر، وهي عادة جرت في البادية ويسمى هذا الطعام "القرى" وهو من الطعام الموجود في تلك الساعة، وفي الوجبة التالية يتم عمل وليمة يدعى لها الجيران والبدوي مهما بالغ في إكرام ضيفه في الطعام والشراب فإنه يعتذر عن التقصير حتى لو لم يكن هناك تقصير، فكثيراً ما يتردد على ألسنتهم عند تقديم الطعام في الوليمة وغيرها مقولة "اعذرنا عن القصور" والاعتذار من مكملات آداب الضيافة حتى لا يقع الحرج في النفوس من الطرفين.
ومن الأعراف البدوية انه لا يجوز للضيف تناول وجبتين من الطعام في الفترة المعروفة للطعام فمثلاً لو تناول الضيف وجبة غداء عند مضيفه عليه أن لا يتناول غيرها عند مضيف آخر قبل غروب الشمس، لأن في ذلك إساءة للمضيف الأول حيث يتهم بأنه لم يشبع ضيفه أو أنه لم يقدم له شيئاً من الطعام، فإذا علم المضيف الأول بمخالفة ضيفه يستطيع أن يقاضيه بذلك، لأن فيها إساءة كبيرة بحقه.