30-06-2015 10:25 AM
بقلم : طارق الحايك
الأصل في المؤتمرات أنها تجمعات لمتخصصين في مجال معين لتبادل الخبرات فيما بينهم، وهي غاية لم تعد موجودة كثير من المؤتمرات التي يتم تنظيمها، وبخاصة تلك التي ينظمها القطاع الخاص، فالمتابع للمؤتمرات التي تنظمها معظم المؤسسات الخاصة يلحظ أن تنظيم المؤتمرات بات بالنسبة لها مجرد تجارة رابحة ليس أكثر، وهذه المؤسسات تنقسم إلى مجموعتين؛ مجموعة تعتمد في تجارتها على المؤسسات المحلية، ومجموعة تستند إلى التمويل الخارجي.
وكي تكون ضمن المجموعة الأولى يكفي أن تكون لديك مجموعة من العلاقات الجيدة مع عدد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية، كي "تخترع" فكرة تنظيم مؤتمر حول (آفاق الاستثمار في الأردن) أو (واقع الاقتصاد الأردني) أو (الأردن والتقنيات المعاصرة) ثم تدعو إليه مجموعة من المحاضرين ليفيضوا بعلومهم أمام "الجموع الغفيرة" التي ستؤم المؤتمر، ثم تستثمر علاقاتك في جذب عدد من المؤسسات لرعاية المؤتمر بمبالغ تفوق أضعاف تكاليف تنظيمه، وهو ما يجعله تجارة رابحة بكل المقاييس؛ إذ بعد شهرين أو ثلاثة من الإعداد والتحضير، ويومين أو ثلاثة من التنظيم والتنفيذ، يخرج المنظمون بعائد ربما تحتاج أي تجارة أخرى سنتين أو يزيد لتحقيقه.
أما المجموعة الثانية فهي تعتمد في تمويل مؤتمراتها على الدعم الخارجي، ولذلك حين تقرر عقد مؤتمر فإنها تخترع أيضاً أسماء تتوافق مع توجهات الجهات الممولة، فترى مؤتمرات تحت مسميات مثل: (واقع التعليم في الأردن) أو (مستقبل الإعلام في الأردن) أو (المرأة في القانون الأردني)، وهي أسماء - كالمجموعة الأولى - فضفاضة عامة، الهدف الوحيد منها إسالة لعاب المؤسسات الدولية المعنية بهكذا مواضيع كي تقدم دعمها السخي لهم.
هذه المؤتمرات تتشابه في عدة نقاط أبرزها أن معظم المتحدثين في المؤتمرات هم ذات الأشخاص، تجدهم في جميع المؤتمرات المتشابهة الموضوع، وجميع هؤلاء يكررون نفس الكلام الذي قالوه هم في مناسبات عديدة، وقاله غيرهم في ندوات ووسائل إعلام وفي اجتماعات خاصة أيضاً، ولا تجد جديداً فيما يطرح بين مؤتمر وآخر إلا فيما ندر، كما أن ذات الأسئلة تطرح كل مرة وذات الإجابات يتلقاها السائل، أي أن الحصيلة التي ستخرج بها من مؤتمر حول واقع الإعلام لن تختلف عن حصيلة مؤتمر آخر حول ذات الموضوع.
النقطة الأخرى هي أنه بعد الجلسة الافتتاحية، إذا استثنيت المنظمين والمحاضرين والصحفيين فإنك لن تجد في كل جلسة أكثر من عشرة أشخاص في أفضل الأحوال في فترة ما قبل الغداء، وشخصين أو ثلاثة في كل جلسة في فترة ما بعد الغداء، وهو ما يثير تساؤلا كبيراً حول جدوى الأفكار التي سيطرحها المؤتمر حتى لو قدم جديداً حين يكون جمهوره بضعة أشخاص، وتساؤلاً أكبر حول ما يدفع الجهات الداعمة لتمويل مؤتمر "كبير" بمبالغ ضخمة وهم يعلمون أن عدد الحاضرين فيه أقل من عدد متابعين لصفحة على الفيس بوك يمكن استقطابهم بمئة دولار فقط؟!
وبالطبع الأمر يندرج على المؤتمرات الحكومية - إذا ما استثنينا المؤتمرات التي تنظمها المراكز العلمية وبعض النقابات والقليل من الجامعات - ، ما يجعل الأمر أكثر سوءاً، ففي القطاع الخاص هناك من يمول هذه التجارة التي يستفيد منها المنظمون والفنادق فقط، أما بالنسبة للمؤسسات الحكومية فمؤتمراتها تستنزف من الخزينة مبالغ أحوج ما نكون إليها في أنشطة اكثر جدوى.
Tariq.hayek@yahoo.com