11-07-2015 12:48 PM
بقلم : الدكتور فخري النصر
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ }{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }القدر
الحمد لله الذي فرض لنا صيام هذا الشهر وسنَّ لنا قيامه، والصلاة والسلام على خيرة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم والذي لم يترك خيراً إلا ودل أمته عليه، فروى عنه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه .
فعن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان رسولُ الله يُجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: تَحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, وعنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: تَحرَّوا ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان.
و للعلماء آراء في تعيين ليلة القدر, فمنهم من يرى أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الثالث والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة السابع والعشرين ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر.
واعتقد ان هذا هو الراي الجازم (والله تعالى اعلم ) لان الله سبحانه وتعالى اخفها عنا ولم يحددها حتى نجتهد في العبادة ونقوم العشر الاواخر من ليالي رمضان المباركة , ولو كانت ليلة السابع والعشرين لنزل بها قران كريم من رب العالمين واكدها رسول الله صلى لله علية وسلم.
وإذا كان دخول رمضان يختلف - كما نشاهد اليوم - من بلد لآخر، فالليالي الوترية في بعض الأقطار، تكون زوجية في أقطار أُخرى، فالاحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر, ولو قلنا ليلة السابع والعشرين لكان ذلك غير صحيح , وهذا دليل على انها ليست ثابتة في ليلة السابع والعشرين
ولله حكمة بالغة في إخفائها عنا، فلو تيقنا أي ليلة هي لتراخت العزائم طوال رمضان، واكتفت بإحياء تلك الليلة، فكان إخفاؤها حافزًا للعمل في الشهر كله، ومضاعفته في العشر الأواخر منه، وفي هذا خير كثير للفرد وللجماعة. , وهذا كما أخفى الله تعالى عنا ساعة الإجابة في يوم الجمعة، لندعوه في اليوم كله، وأخفى اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب؛ لندعوه بأسمائه الحسنى جميعًا, واخفى الكثير من عبادته وكرمه مثل يوم القيام وتحديد اجل الانسان ,وقدرة ونصيبة كلها امور غيبة لا يعلمها الا الله
- وذكر الشيخ ابن عثيمين أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة. فأما العلامات المقارنة فذكر منها: قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، و طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، و أن الرياح تكون فيها ساكنة. وأما العلامات اللاحقة التي لا تظهر الا بعد أن تمضي فذكر منها أن الشمس تطلع في صبيحتها من غير شعاع أو حمراء، ودلل لذلك بحديث أبي بن كعب - أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها.
ومن علامات ليلة القدر: أن الأشجار في تلك الليلة تسقط إلى الأرض ثم تعود إلى منابتها، وأن كل شيء يسجد فيها , وإن المياه المالحة تعذب تلك الليلة، وليلة القدر معتدلة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة , وكثرة الملائكة في ليلة القدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى .
ومن علامات ليلةِ القدر أنَّها ليلة بلجة منيرة، وأنَّها ساكنة لا حارة ولا باردة، وأنَّ الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء مستوية، ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر
وهذه العلامات لا تعطي يقينًا بها، ولا يمكن أن تَطَّرد، لأن ليلة القدر في بلاد مختلفة في مناخها، وفي فصول مختلفة أيضًا، وقد يوجد في بلاد المسلمين بلد لا ينقطع عنه المطر، وآخر يصلي أهله صلاة الاستسقاء مما يعاني من المَحْل، وتختلف البلاد في الحرارة والبرودة، وظهور الشمس وغيابها، وقوة شعاعها، وضعفه، فهيهات أن تتفق العلامات في كل أقطار الدنيا
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي: ماذا أقول إنْ وافقت ليلة القدر؟ قال لها النبي: قولي: اللهم إنك عفوٌّ تُحب العفو فاعف عني ، ولو تأمَّلت أخي في جواب النبي تَجد أنَّ هذه الكلمات تجمع للإنسان خيري الدُّنيا والآخرة، بأنْ يسلم من البلاء في الدُّنيا، ومن العذاب في الآخرة، فإذا عُوفي الإنسانُ في دُنياه وآخرته، كان مآله إلى الجنة ولا بُدَّ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبحَ وإذا أمسى: اللهم إنِّي أسألك العافية في الدُّنيا والآخرة، اللهم إنِّي أسألك العفو والعافية في ديني ودُنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك من أنْ أغتال من تحتي
وعَظَّمَ القرآنُ شأنَ هذه الليلة، فأضافها إلى (القدر) أي المقام والشرف، وأي مقام وشرف أكثر من أن تكون خيرًا وأفضل من ألف شهر. أي الطاعة والعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر
وألف شهر تساوي ثلاثًا و ثمانين سنة وأربعة أشهر، أي أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان عمره ما يقارب مائة سنة، إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف
وهي ليلة تتنزَّل فيها الملائكة برحمة الله وسلامه وبركاته، ويرفرف فيها السلام حتى مطلع الفجر.
ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها، فيحرم المسلم من خيرها وثوابها، فيقول لأصحابه، وقد أظلهم شهر رمضان: إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم, وكيف لا يكون محرومًا من ضيع فرصة هي خير من ثلاثين ألف فرصة؟.
إن من ضيع صفقة كان سيربح فيها 100% يتحسر على فواتها أيّما تحسر، فكيف بمن ضيع صفقة كان سيربح فيها 3000000% ثلاثة ملايين في المائة؟! وهي الليلة التي أنزل فيها القرآن، وهو أنزل في رمضان، لقوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان (البقرة: 185).
ويتأكد التماسها وطلبها في الليالي السبع الأخيرة من رمضان، فعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرى رؤياكم قد تواطأت (أي توافقت) في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر, وعن ابن عمر أيضًا: لتمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي , والسبع الأواخر تبدأ من ليلة 23 إن كان الشهر 29 ومن ليلة 24 إن كان الشهر 30 يومًا.
والله سبحانه وتعالى جعل شهر رمضان كمغسلة للذنوب يغسل المؤمن به نفسة من الذنوب والخطايا عن باقي العام , كما جعل فيها الاجر والثواب مضاعف خير من عمل 84 سنة .
ويعتقد الكثير من الناس ان ليلة القدر تفتح لهم ويشع النور منها لمدة ثواني او دقائق , وحسب علمي ان ليلة القدر هي ليلة عادية مثل باقي الليالي الاخرى وان الدعاء بها مستجاب والاجر بها مضاعف مع ظهور علاماتها