بقلم : هاشم الخالدي

اثارني ما قرأت لمدير مراكز الإصلاح والتأهيل العميد انور القضاة من ان تكلفة نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل تصل الى (92) مليون ديناراً و 700 ألف سنوياً بواقع 750 ديناراً شهرياً للنزيل الواحد.

سأتحدث اليوم بصفتي سجين سياسي سابق واعتقد جازماً ان هذا المبلغ مرتفع جداً وهو حقيقي لأنني شاهدت بأم عيني كيف ان إدارة السجون كانت توزع على السجناء وجبات الإفطار والغداء والعشاء المعدة من قبل شركات خاصة إضافة للفواكه والعصير ناهيك عن تكلفة الملابس والمياه والصيانة وغيرها الكثير الكثير... ورغم ذلك فالرقم مبالغ فيه ولا أدري من أين حصل عطوفته على هذا الرقم الذي يكفي للصرف على 10 عائلات أردنية  شهرياً.

وبالمناسبة فقد امضيت بالسجن مؤخراً 40 يوماً واعتقد ان كل ما صرف علي فعلياً في تلك الفترة 400 دينار ، لذلك سأطالب إدارة السجون بإعادة مبلغ 600 دينار باقي حسابي عن الاربعين يوماً ، بإعتبار ان تكلفة اليوم الواحد هي 10 دنانير.

لكن الملفت للإنتباه ان هذه المبالغ يمكن ان تنخفض الى النصف لو اننا تنبهنا الى وجود سجناء على قضايا بسيطة مكثوا أشهراً طويلة دون ان يقوم أحد من اقاربهم بدفع قيمة الكفالة البالغة 10 دنانير و750 فلس.
فقبل ايام تبرع مواطن سعودي بمبلغ 2.7 مليون ريال لسداد ديون 39 سجيناً من الموقوفين على ذمة قضايا مالية، رافضاً الكشف أو الإعلان عن اسمه.
السجناء الذين تم إطلاق سراحهم من السجن ابتهلوا لله أن يجعل الله عز وجل هذا العمل في ميزان حسنات هذا الرجل، بعدما ساهم في إطلاق سراحهم خلال شهر رمضان، ليتمكنوا من قضاء ما تبقى من الشهر الفضيل وعيد الفطر مع ذويهم فلماذا لا توجد لدينا مثل هذه الثقافه الموجوده في السعوديه .

سأروي لكم حكاية أحد السجناء الذي مكث معي في مهجع (أ) في سجن ماركا مدة اسبوعين على قضية بسيطة، أصدر على أثرها مدعي عام عمان قراراً بالموافقة على تكفيله، وتوقعنا في اليوم التالي ان يخرج المذكور من السجن ومضت الأيام تلتها الأسابيع ولم يتقدم أحد لتكفيله فقمت بدفع المبلغ له ليقوم بتكفيل نفسه عند المدعي العام، لكننا فوجئنا بأن القانون لا يسمح للسجين بالمضي بإجراء الكفالة وعاد الرجل الى السجن وثم بعدها بأسابيع تم نقله الى سجن معان الذي امضى فيه قرابة الشهر والنصف حتى خرج بكفالة شقيق سجين تعرف عليه في سجن معان ولولا ذلك لأمضى في السجن سنوات طويلة ينتظر من يقوم بإجراءات الكفالة ويدفع مبلغ العشرة دنانير وسبعمائه وخمسون فلس .

حالات أخرى صادفتها امضت اسابيع وأشهر في السجن لعدم تمكنها من دفع مبلغ 140-150 ديناراً ، هو قيمة الدين الذي زج به الى السجون ومثل هذه الحالات يوجد الكثير الكثير ، ولا أدري لماذا لا تساهم الجمعيات الخيرية بالإلتفات الى هذه النقطة من الإصلاح الإجتماعي فتقوم بالتبرع للسجناء والموقوفين على ذمم مالية بسيطة .

من الناحية الإجتماعية ،فربما يساهم دفع هذا المبلغ البسيط عن ذلك السجين الى إعادة احياء انسان من جديد ، خاصة إذا كانت مواصفات ذلك السجين بلا قيود جرمية ، حينها سندرك اننا ربما ساهمنا في انتشال عائلة اردنية من التشرد والفقر ومنحنا رب الأسرة فرصة للحياة من جديد، ألا يعتبر هذا الأمر عملاً اصلاحياً كبيراً ، اعتقد .. نعم.

في المقابل .. تخيلوا ان هذه التبرعات البسيطة ستساهم في الإفراج عن مئات السجناء ، الا نكون بذلك قد خففنا من وطأة الكلفة المالية الكبيرة التي تدفعها مديرية الامن العام للصرف على هؤلاء السجناء.