08-08-2015 10:32 AM
سرايا - سرايا - مارلين مونرو التي ولدت باسم نورما جين مورتنسن، هي نجمة برق لمعانها في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، عرفت لأنوثتها وفتنتها الطاغية وعينيها المندهشتين، الذابلتين قليلا، تركت في مخيلتنا صورة لامرأة جميلة ومدللة، ساذجة وسطحية، ماتت منتحرة في شهر آب/أغسطس في عام 1962بجرعة زائدة من المهدئات كبطلة هوليوودية محترفة لم تفرق في كونها ممثلة تنتحر مؤدية لدور في فيلم درامي وبين كونها إنسانة حقيقية تزهق روحها هربا من كوابيس وهواجس لاحقتها طوال حياتها. كان الانتحار صرخة ألم تعودت الفاتنة الشقراء أن تصرخ بها علنا من حين لآخر، جراء ضغط هوليوود عليها بالإمضاء على عقود شراكة مهنية تجسد فيها مارلين دور «الشقراء البلهاء والسطحية» في أغلب أفلامها إن لم تكن جميعها.
اعترضت مارلين مرارا، ومن دون جدوى، فقضت سنوات من عمرها في خدمة صورة هوليوودية اصطناعية ومفبركة لا تراها كإنسانة ذات إحساس مرهف وعقل ذكي لا يناسبه الغباء المفروض عليها، بل كرمز جنسي ومغر.
لسوء حظ مارلين، شاء القدر أن تلمع نجوميتها وتشتهر في وقت كانت فيه أمريكا في حاجة لأن تصنع لنفسها صورة مزينة بعد الحرب العالمية، صورة سطحية ومضحكة وحالمة يجري السفهاء وراءها.
شكل ظهور مارلين مونرو زيفا لا يشبه حقيقتها البتة. فخلف المرأة الجسد ملكة الإغراء الشقراء، الجذابة والشهية تكمن مارلين التعيسة والبائسة، التي تلفظها الحياة كبصاق منذ لحظة ولادتها من علاقة عابرة حيث لم تعرف أباها أبدا، وتتربى في طفولتها المبكرة مع أم معتلة نفسيا تعاني من الاضطراب النفسي والانفصام وتقضي أغلب أوقاتها في المصحات. رمت الأم بالطفلة إلى دار أيتام حيث عوملت الطفلة بقسوة وحملت ذنب خطيئة والديها كونها لقيطة ولدت من علاقة محرمة. مارلين ذات التسعة أعوام تنقلت من دار لأخرى علها تجد الحنان والراحة ولو لثوان، ترجو في أدوارها السينمائية وفي حياتها الخاصة، من الآخرين بأن لا يهجروها، وتطلب منهم من أن يحبوها، لكي تصدم من مرارة الحياة ويتم التحرش بها جنسيا في دور العائلات البرجوازية من فاعلي الخير.
تزوجت مارلين هربا من جدران الميتم من رجل يكبرها بخمس سنوات وهي في السادسة عشرة من عمرها، ليس حبا بل هربا من مصير محتم مع البؤس، فهربت من بؤس لآخر.
ألقت مارلين بماضيها التعيس خلفها وتعاقدت مع شيطان ذي أنياب ينهش جسدها الصغير وأحلامها الطفولية. لمعت النجمة خاصة بعد أن غيرت اسمها من جين إلى مارلين، وحين غيرت أيضا قصة شعرها ولونه لتصبح وتلبية لرغبة هوليوود «نجمة هوليوود الشقراء والبلهاء» فلا أدوار درامية ولا أدوار جادة تليق بشقراء مثلها ويكفيها أن تكون وتظل جسدا مغريا وفانتازم يتعارك عليه الصحافيون والمصورون.
التقطت لمارلين صور عارية لتملأ فراغات الصحف وأخرى تستر حزنا فاضحا في عينيها وأخرى تصور وجهها ولحظات سعادتها المزيفة، التي لا تلبث أن تختفي بعد أن تبتعد عن خشبة التصوير وتختفي وراء الكواليس. استمر عذاب مارلين وشعورها الدائم بالعزلة والوحدة رغم النجاح الباهر الذي حققته صورتها وجسدها.
لتلك الابتسامات الساحرة أسرار تختفي خلفها، ولذاك القناع أثر لا يزال محفورا في الذاكرة، يذكرنا بجبننا وبجهلنا لحقيقة الإنسانة بدون زيف أو ماكياج يخفيها.
مارلين كانت إنسانة ميتة تعيش في جسد حي، تلاحقها لعنة الهجران لتصل إلى قلبها المرهف وتحطمه مرارا. تتلقفها أيادي الرجال من رؤساء دول كالأخوة كينيدي واستخدامهما لها كشيء يمتلك ويلقى به بعد الفراغ من استخدامه.
كانت مارلين وبعكس صورتها الهوليوودية إمرأة مثقفة تولى اهتماما وشغفا بالأدب وتحتوي مكتبتها الشخصية على العديد من الكتب الأدبية، سواء كان أدبا كلاسيكيا أم معاصرا، من دويستوفسكي وميلتون إلى اهتمامها بإرنست همنغواي. وتعدى اهتمامها بالأدب لدرساتها للأدب الإنكليزي في أوقات ابتعادها عن كاميرات التصوير، وحرصت في صور عدة لها أن تلتقط لحظات تقرأ فيها أو تحمل كتابا.
تزوجت مارلين من الكاتب المسرحي آرثر ميلر الذي وصفها بالامرأة ذات الإحساس المرهف والمعذبة نفسيا، حين أخبرها بأنها «أكثر إنسانة كئيبة قابلها في حياته» وبأنها «نصف ملكة ونصف طفلة مهجورة، تركع أحيانا أمام جسدها ثم تنفر منه، في أحيان أخرى، وتصاب بالإحباط». اعتقدت مارلين بأن زواجها من آرثر سيخلد وستجد إلى جانبه الاستقرار، ولكنه كبقية علاقاتها انتهى بطلاق ليلقى بها وحيدة سمن جديد، فريسة للعقاقير المهدئة والكحول.
مارلين ذات الثوب الأبيض المتطاير والكاشف عن ساقيها وسروالها الداخلي، مارلين ذات الشعر الأشقر، والعينين التائهتين، لم تكن سطحية، بلهاء ولا ساذجة كما أجبرتنا هوليوود على تخزين صورها في المخيلة على مدى السنوات.. كانت مستاءة من كونها جسدا وإغراء لا غير، بل كانت تتمنى لو أنها تؤخذ على محمل من الجدية كونها امرأة ذكية وكاتبة ماهرة جمعت خواطرها وقصائدها لتطبع في فرنسا مؤخرا في كتاب بعنوان «شظايا». يكشف الكتاب عن مجموعة من كتابات مونرو التي يرجع تاريخها إلى الفترة من عام 1943حتى وفاتها عام 1962ويظهر إلى العلن بوادر وجوانب مضيئة من شخصيتها الرقيقة والمتأملة، وأيضا يسلط الضوء على جانبها المبدع والفكري.
التقطت العدسات مارلين كصورة لا تمت لواقعها وأزماتها النفسية بصلة، فأصبح جسدها مجرد جسد لدمية أفرغت من آلامها وقصصها وزينت وجملت لعدسات الكاميرات لتبقى مزيفة في عقول الناس ومخيلتهم. ومن الذين حالفهم الحظ في التقاط آخر صور لها المصور بيرت ستيرن الذي التقطها عارية قبل مماتها بأيام قليلة لتعرض في غاليري في باريس كإشادة بها وبمشوار حياتها.
ظلت الأميرة الحزينة مرافقة بالكاميرات المتعدية على خصوصيتها، لتجبرها بأن تكون ملكا للجميع. لاحقتها الإشاعات وطردت من شركة توينتي سينشري فوكس وهجرها عشيقها الرئيس كينيدي آنذاك في الوقت نفسه، لتعود مارلين إلى ملجئها الوحيد من عقاقير ومهدئات ومشروبات كحولية. لقد دمرت علاقتها بكينيدي حياتها ومرت خلال الأعوام الأخيرة بمتاعب صحية ونفسية جراء تلك العلاقة، وظلت ملاحقة من قبل السلطات لكيلا تثير الفضائح بهذا الشأن، خاصة بعد أن هددت في فضح العائلة الحاكمة خلال مؤتمر صحافي.
لغز موت مارلين لا يزال محيرا ولم يتم التدقيق أو البحث في ما حدث فعليا، مما يؤكد لمعجبيها إيمانهم بأنها لم تنتحر بل ماتت مقتولة بسبب علاقتها الساخنة في العائلة كينيدي ومن جراء جرعة دواء زائدة من طبيبها المتآمر مع العائلة، وربما انتحرت الطفلة الملكة بعد أن ضاق بها العالم ونهشها الألم والبؤس، وهي في عمر الستة والثلاثين، هي التي عبرت عن بؤسها بقولها ««لدي إحساس عميق بأنني لست حقيقة تماما، بل إنني زيف مفتعل ومصنوع بمهارة، وكل إنسان يحس في هذا العالم بهذا الاحساس بين وقت وآخر، ولكني أعيش هذا الاحساس طيلة الوقت، بل أظن أحيانا أنني لست إلا إنتاجاً سينمائياً فنياً أتقنوا صُنعه»!.
أسمى العطاونة