12-08-2015 03:06 PM
سرايا - سرايا _ اعتدنا على سماع القول الشائع: "الندم على ما فعلت أفضل من الندم على ما لم تفعل"، لكن على الرغم من شيوع هذا المثل واستخدامه في كثير من المواقف، إلا أن العلم يقول غير ذلك.
فبحسب بروفيسور "تود ب. كاشدان" (باحث واختصاصي نفسي ومستشار تنظيمي ومحاضر) فإن للندم في العلم تعريفات محددة، منها: الشعور الذي ينتابنا حين ندرك أن وضعنا الحالي كان سيكون أفضل لو أننا قررنا التصرف بشكل مختلف في الماضي. أي إنه نظرة إلى الوراء تشعرنا بعدم الرضا، وتدفعنا إلى لوم أنفسنا وتمني لو أننا استطعنا إلغاء الماضي أو تغييره.
وهنا يذكر بروفيسور كاشدان 5 حقائق علمية مثيرة عن "الشعور بالندم"، وتستحق التأمل:
أولاً، وجدت الدراسات أن الشعور بالندم نادر الوجود عند الأطفال، فالكبار يقومون بمقارنة السيناريوهات المحتملة للأحداث الماضية، ويمكنهم تخيّل تحسّن وضعهم الحالي في حال قاموا باتخاذ قرارات مختلفة في السابق. لكن الأطفال في عمر أصغر من 7 سنوات لم يتعاملوا مع هذه التجربة بنفس الطريقة، فقد تعاملوا مع المقارنة بأسلوب ممتع ومسلٍّ بالنسبة لهم، دون إدراك المعنى الحقيقي للقرارات المتفاوتة من ناحية أثرها على وضعهم الحالي، وهذا أمر طبيعي لديهم في هذا العمر لأنه ليس هناك الكثير ليتذكره أطفال في سن 3-5 أصحاب النفوس الغضّة. إذن، الشعور بالندم هو مسألة إدراك ووعي وهي متعلقة بالعمر والنضج الذهني للطفل، أي إنها مسألة وقت.
ثانياً، يقول بروفيسور كاشدان إن الشعور بالندم متعلق بمدى إدراكنا لتسلسل الأحداث وتذكر ما فعلناه وما لم نفعله بدقة، وهذا يتطلب كثيراً من الصبر والتأمل الداخلي وإدراك الذات. فكيف يمكننا أن نعرف إن كان قرار السفر إلى روسيا في عمر العشرين لشاب أعزب، هو قرار ممتاز في ذلك الحين؟ نحن لا نستنج ذلك إلا عند النظر إلى الوراء؛ أي إننا نكتشف فوائد القرارات غير المتخذة فيما بعد. إذن، لماذا نندم!
ثالثاً، الندم على ما لم نفعل هو أقل تسبباً للمشاكل. لماذا؟ لأن الدراسات أثبتت أن شدة المشاعر السلبية التي يعيشها الإنسان عندما يكون مستاءً من تبعات قرار اتخذه، هي أشد وأكثر تأثيراً عليه من الاستياء من قرار لم يتخذه عند تخيّل فوائده.
إلى جانب ذلك، فإن القرارات الخاطئة غالباً ما يتبعها انعكاسات سلبية على الفور؛ فعلى سبيل المثال تخيل أنك قررت فجأة أن توفر الوقت وتستخدم هاتفك الذكي في الحمام للرد على رسائل البريد الإلكتروني، وفجأة بحركة سريعة وغير مقصودة وقع الهاتف وامتلأ بالماء وتعطّل، في تلك اللحظة سيكون الندم أكبر من تركك الهاتف في الخارج وتأخيرك الرد على البريد.
رابعاً، بيّنت الدراسات أن الندم على القرارات غير المتخذة لا يخرج من أدمغتنا بسهولة، بل يبقى قائماً فيها ويتفاقم أكثر. ففي الوقت الذي نكون فيه عالقين داخل تبعات الخيار الخاطئ، تتزايد الأسئلة في ذهننا من قبيل: لماذا، وتكثر الجمل التي تبدأ بـ"لو، لو أن، يا ليت.."، فلا يهم ما هو نوع السيارة التي تشتريها، ستكون قادراً دائماً على مقارنتها بأخرى أفضل أو أسوأ، وتخيّل لو أنك كنت قد اتخذت قراراً آخر واشتريت غيرها.
لكن تغيير السيارة هو أمر ممكن ومتعلق باعتبارات مادية، إذن فالندم عليه لا يهيج المشاعر السلبية بشكل كبير. في حين أن الندم على علاقة عاطفية مثلاً، كانت رائعة منذ البداية، وفقدتها فجأة لأسباب تافهة أو قرارات متسرعة، ستظل تدق أبواب ذاكرتك وتثير التساؤلات وتخيلات السيناريوهات الجميلة التي كانت ستحدث لو أنها استمرت.
الحقيقة الخامسة تبدو غريبة قليلاً، فالشعور بالندم –كما بيّنت الأبحاث- هو شعور مفيد. لماذا؟ لأننا عندما نشعر بالندم، أو بالذنب أو بالإحراج مما فعلنا، فإننا نكون محفّزين بشكل أكبر للقيام بخطوات أصح في المستقبل، والتفكير بعمق أكثر قبل اتخاذ القرارات الجديدة؛ أي إننا نتعلم من أخطاء الماضي أن نحسّن مستقبلنا. لكن، بكل الأحوال، يبقى الندم شعوراً غير قابل للتجنب أو التجاهل؛ لأننا عندما نتخذ أي قرار سنبدأ فوراً بتخيل السيناريوهات الأخرى البديلة وفوائدها.
ويقول بروفيسور كاشدان إن الندم هو شعور معروف وطبيعي، إذا لم يتحول بالطبع لوابل من الأسئلة المتكررة المعيقة للحياة اليومية، والتي لا تفيد في تصحيح المستقبل. إلى جانب ذلك، يقول إن الإنسان ينضج ويتعلم من مجموع ما ندم عليه؛ أي من مجموع القرارات التي اتخذها وتلك أيضاً التي لم يتخذها.
لذلك، فإن الناس الذي يحاولون ادعاء أنهم لم يندموا في حياتهم على شيء فهم غالباً يشعرون باضطراب دائم كي لا يرتكبوا الأخطاء أبداً، في حين أن من المفترض أن يكونوا حذرين في اتخاذ القرارات، لكن مع ترك مساحة محتملة للخطأ والتعلم دون ارتباك.