19-08-2015 06:25 PM
بقلم : د.م أيمن الخزاعلة
بعد انقضاء بضعة اعوام عجاف على محاولة وأد الحركات السياسية و الحزبية الاصلاحية المطالبة بالتحول نحو دولة ديمقراطية تحتل مكان و تصنيف متقدم بين الشعوب الراقية حول العالم، يبدو جليا بأننا لم نخطو باتجاه الاصلاح قيد انملة ، بل على العكس تماما حيث التراجع الغير منتهي في الحريات (سيما الصحفية منها) أصبح سمة دائمة في السلوك الحكومي اليومي.
ان الحديث الدائر حاليا بين النخب او حتى في مجالس العامة يشخص برتابة و بشكل تقليدي بأن الهم الاول و التحدي المستمر الاكبر يكمن في الاصلاح الاقتصادي و تعزيز تواجد استثمارات حقيقية ضخمة من شأنها الاسهام في التحول نحو اقتصاد فعال و مدر للخزينة، و أكبر العرافين الدين يتبنون هذا التقدير هو الحكومة حيث اطلقت حزم من قوانين وقرارات متكررة و بلا رحمة كان حصادها زيادة في المديونية و في نسب الفقر و البطالة و تراجع في الاستثمارات، بل ان كثير من المستثمرين و الصناعيين غادروا بحثا عن وجهات أكثر مرونة و شفافية و عدالة.
رغم الاقرار بأن البعد الاقتصادي ضرورة و تحدي امام مواطن يئن تحت وطأة متطلبات الحياة المرهقة و المحبطة الا اننا يجب ان نتوقف عن النحيب و الاستجداء و مصارعة الطواحين الدونكيشوتية بلا فوائد، نعم الاقتصاد بحاجة الى انعاش و استقطاب الاستثمارات اصبح ضرورة ملحة و هذا رأي متفق عليه، بيد ان الاجتهادات في ايجاد طرق صحيحة و آمنة نحو هدا الهدف ليست كما يجب و علينا اخراج الرؤوس المدفونة و الاعتراف ان طريق الازدهار لا بد ان يكون من خلال جسور من الاصلاح السياسي و بامتياز لعلها تساعد في انقاذ ما يمكن انقاذه. كيف لا ، و نحن نريد من مستثمر( أقل ما يمكن وصفه و بأدنى تقدير على انه من اصحاب المستويات الذهنية فوق المتوسطة عدا عما يحيط به من فرق استشارية ) ان يأتي طوعا و يضع أمواله في مشاريع غير مكفولة النجاح في حدود التحوطات الاقتصادية المتوقعة ، و هل يبدو من المنطق ان نتوقع مردودا من الاستثمار و نتناسى ان المستثمر لديه طموح كبير في جني أرباح فالتفكير العقلاني يقول ان مصلحة المستثمر هي انعكاس مباشر لمصلحة الدولة المضيفة و نجاح المستثمر ارتداد مباشر على ايرادات الدولة.
ان المعضلة التي يجب التنبه لها جيدا (وكما اعتدنا السماع) هي تردد المستثمر كثيرا قبل الاقدام، فرأس المال جبان و هو كذلك ، و جل المستثمرين لا يكتفون بتطمينات من مستويات مختلفة في صناعة القرار لكي يستمروا في التقدم ،حيث ان خياراتهم مفتوحة و في دول عديدة و ليست محصورة قصرا على الاردن.
اذا ما أقررنا بسالف القول وجدنا الطريق، فمكمن الحل يتمثل في ايجاد ارضية صلبة في دولة مستقرة امنيا و تشريعيا و مؤسساتيا بحيث يدخلنا هذا في خيارات و حسابات الراغبين في الاستثمار و يعزز القدرة التنافسية مع الآخرين.
ان الاصلاح الاقتصادي بحاجة الى طريق معبد و مجمل من اصلاحات تشريعية و تنظيمية و قبل ذلك بناء دولة بمؤسسات واضحة الادوار تضمن للمستثمر حقه في التقاضي وقت الحاجة وتراعي رغبته في التنافس الاقتصادي الحر. فحكومة قوية لديها مزود فعال بالتشريع الضامن و مقوم حكيم للاعوجاج (مجلس الامة) و حكم فيصل عدل (القضاء) و حريات صحفية مراقبة و كاشفة تفضي بكل تأكيد الى منظومة تشكل دولة منافسة تحظى باحترام عالمي فيها مواطن و مقيم يقدر و يأخد حقه غير منقوص ، و هذا يجنبنا الانتقاد و يقلص تأثير سلوك موظف نافدة الاستثمار نحو المستثمر.
يجدر ان نتساءل، هل من المنطق ان نأمل بقدوم استثمارات خارجية او حتى من مغتربين اردنيين و ترتيب الاردن في المقاييس العالمية للديمقراطية و الشفافية و استقرار الحكم و التشريعات و الحريات العامة و حقوق الصحفيين متأخر و ان اظهر تقدما على بعض دول الجوار المنكوبة ، و نبقى نردد بتندر القول المأثور غير الدقيق ليس لدينا سجناء رأي.
ان كان من نصيحة تسدى فلتكن في المضي نحو التركيز على الاصلاح السياسي و مراجعة القوانيين الناظمة للحكم و بعض مواد الدستور ان لزم الامر و اطلاق حريات الرأي و تحرير الصحافة و خلق بيئة آمنة بالمفهوم الشامل ، و ليعلم مدعو الاولوية الامنية ان الضامن و المحقق للامن فقط و فقط هي التعددية و الحرية و ممارسة ديمقراطية حقيقية و لنتوقف عن الاستماع كثيرا للاستشارات الدولية التي تعزف على ايقونة استقرار الاردن في اقليم ملتهب اولى من حرية الاردنيين و مشاركتهم في الحكم.
الدكتور المهندس أيمن الخزاعلة
رئيس جمعية الهندسة السياسية