25-08-2015 10:26 AM
بقلم : د. مفلح فيصل الجراح
من الطبيعي كون الأردن مستورد بالكامل لمشتقات النفط أن يستفيد من انخفاض سعره العالمي لانخفاض تكلفة فاتورة النفط الذي يدفعها الأردن ، وانعكاس هذا الانخفاض على أسعار المواد المرتبطة بالنفط على المستوى المحلي لانخفاض تكلفة تلك المواد بالتبعية تماما ؛ وهذا يحدث تلقائيا في حالة اقتصاد حر يعتمد تماما على آلية السوق والتي تعني تماما تفاعل العرض والطلب دون تدخل الدولة ، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة ويحتاج إلى شيء من التحليل .
وهنا ولتقريب الصورة ينبغي أن نفرق بين مفهومين متقاربين وهما الكمية المطلوبة والطلب، وباستخدام منحنى الطلب وهو عبارة عن مجموعة نقاط تبيّن الكميات المرغوب شراؤها عند مختلف الأسعار؛ فإننا نلاحظ أن الكمية المطلوبة هي نقطة معينة عند سعر معين على المنحنى ،أما الطلب فيمثل العلاقة العكسية بين سعر سلعة ما والكميات المطلوبة من تلك السلعة خلال فترة زمنية معينة ،وعلى هذا الأساس يمكن التفريق بين التغيّر في الطّلب والتغيّر في الكميّة المطلوبة. فالتغير في الكمية المطلوبة هو الانتقال من نقطة إلى نقطة أخرى على نفس المنحنى وهذا التغير مرتبط بتغير سعر السلعة ذاتها. أمّا التغير في الطلب فيعني انتقال المنحنى بكامله إلى اليسار في حالة الزيادة أو إلى اليمين في حالة الانخفاض وهذا التغير مردّه لتغيرات تحدث في محددات الطلب أو العوامل التي تؤثّر فيه والتي افترضنا أنها ثابتة، ومن هذه العوامل الدخل، وأذواق المستهلكين، وأسعار السلع الأخرى. فإذا زاد دخل المستهلك فيمكن الحصول على المزيد من السلعة عند نفس الأسعار السابقة. وإذا تغير ذوق المستهلك فقد يفضل سلعة ما على سلعة أخرى، وهذا بدوره يؤثّر على الطلب. ويمكن أن يحدث تغييرا في الطلب نتيجة لتغير في أسعار السلع الأخرى. ومن هذه السلع ما هي سلع بديلة بحيث يمكن إحلال بعضها محل البعض الآخر مثل الشاي والقهوة. ومنها ما هي سلع مكمّلة مثل السكر والشاي والسيارة والبنزين، وتغير سعر أي منها يؤثّر على طلب الأخرى. وقد تكون السلع مستقلة كالملح واللباس. وتغيّر هذه العوامل أو بعضها يؤثّر على منحنى الطلب بحيث ينتقل، بكامله، من مكانه الأصلي إلى مكان جديد.
وهذا التحليل الاقتصادي من بديهيات الاقتصاد وجاء ذكره في السياق لبيان أهمية انخفاض سعر النفط وتأثيره على طلب السلع المرتبطة به ،فإذا كان الكاز سلعة بديلة عن الغاز فان انخفاض سعر الكاز مثلا سيؤدي إلى زيادة الكمية المطلوبة منه، وبالمقابل سينخفض الطلب على الغاز كونه سلعة بديلة للكاز وبالتالي سينخفض سعر الغاز ، بينما انخفاض سعر البنزين سيؤدي إلى زيادة الكمية المطلوبة منه ،وبالتالي زيادة الطلب على السيارات كونها سلعة مكملة للبنزين ، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع أسعار السيارات ، وبالمطلق فان انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى انخفاض تكاليف الإنتاج للسلع التي تعتمد أساسا عليه ، وبالتالي إلى زيادة العرض منها مما يعني ذلك مباشرة انخفاض الأسعار لزيادة الكمية المعروضة منها، ومن الملاحظ هنا كيف يعمل انخفاض أسعار النفط على إحداث ديناميكية في السوق الحر وخصوصا في ظل وجود سوق المنافسة بعيدا عن السلع الاحتكارية .
وبعد ما تقدم فإلى ماذا يعزى تعطيل هذه الآلية ويمنع السوق من إكمال دورته الاقتصادية بسلاسة ؟ سؤال مهم يستحق الإجابة ؛ قد يقول البعض تدخل الدولة ممكن أن يكون احد الأسباب ، والبعض الأخر قد يعزي ذلك إلى ضعف الاقتصاد الأردني برمته وعدم قدرته على مسايرة تلك التغيرات ، بينما آخر يحمل الفساد المسؤولية التامة عن ذلك ، ويتجه آخر إلى سيطرة فئة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال على السوق المحلي وهذا بحد ذاته نستطيع ان نطلق عليه مصطلح جديد وهو الاحتكار الكامل للسوق محطما معاني الاحتكار المتعارف عليها والمعروفة باحتكار سلعة واحدة أو سلعتين أو أكثر بقليل بما يعرف على سبيل المثال لا الحصر احتكار القلة .
الخطورة في الأمر أن يرتهن اقتصاد بلد بأكمله بيد مجموعة لا تنفك في فرض شروطها على السوق بغياب كامل للحكومة التي لا ندعوها للتدخل بالأسواق بقدر ما ندعوها للعمل على إزالة الشوائب والمعيقات التي تعمل على وضع العصي في عجلة الاقتصاد الأردني ، ولكي تنجح بذلك عليها أن تبدأ بنفسها أولا.