26-08-2015 09:52 AM
سرايا - سرايا - النساء.. قناطر للتناص أم ملهمات للإبداع ؟ وأنت يا محمود من أين جئت بكل هذا الهديل؟.
في هذا التساؤل روّد محمود الشمايلة بصوته المبحوح ما التصق بذاكرته حين كان طفلا يرافق أمه الى عين سارة لغسيل صوف أخيه، وردد معه الحضور صدى الوجع الذي التصق بحناجر ذاكرتنا..
في حفل توقيع كتاب «نسوان حارتنا» للقاص محمود الشمايلة، وتحدث فيه د. يحيى عيشان ود. حسين محادين ود. حربي المصري وأداره الشاعر جروان المعاني، وحضرته والدة الشمايلة وبطلة قصصه.
في بداية الحفل الذي أقيم المكتبة الوطنية قدم الشاعر د.حربي المصري إضاءة حول المجموعة أشار فيها إلى أن أهمية هذا النوع من الأدب في زمن أصبح فيه الدرهم والدينار ورقة التوت التي تستر عوراتنا في ظل الأدب المداهن والمتملق، مضيفاً «هناك حيثُ تُطبخُ الحكايا على مساحات من الرؤى والحلم المعطر بقدور انضجتها شمسٌ ما غابت عن مركز الألق وعلى وقع ميجنا جنوبية عزفتها حناجرُ رجال ارتسمت على أكفهم خرائطَ الأمكنة حين كان الملحُ مسيرةً خطوط الطول والعرض على مرايا قامات وجبهات ما خدشتها أظافر تموز وما كبى الصبر فيهم منتصف الظهيرة. وحين تعربش العطاء على أخشابها بالثمر الحلال نقياً صافياً من جنس فصيلتها ما خالطه التهجينُ وما أخلف قط موعداً لبيدر الإبداع ترويه النساء قصصاَ تعطرت بشذى الطوابين والزعتر وتمطت على أدراج السناسل مزينةً جيد التجربة وأعادت زبرجدَ الأصالة والنقاء لاحجار بيوت توشّحت بعباءة القصيب والبّلان وطافت على المآذن والكنائس بترانيم الإيمان والسلام وأعادتنا أطفالا لنتهجأ جيداَ أبجدياتَ الحبّ والأصالة والبساطة والانتماء والأدب المبدع المتشبّث بالواقع في زمن أصبح فيه الدرهمُ والدينارُ ورقة التوت التي تستر عوراتنا وأرتفع فيه سعرُ المداهنة والمراهنة لأدب يتخلجُ بمشيته ويدلعُ لسانه.
قرأ المصري من قصيدة بيوت الطين :
بُيوتُ الطِّيْنِ آوَتْنا بِبَرْدٍ.. وثَلْجٍ حَوْلَ نارِ الاتِّقاءِ
فمِنْ «مِزْرَابِها» شَلاَّلُ تِبْرٍ.. يَصُبُّ الخَيْرَ في بِئْرِ السِّقاءِ
على «مِهْباشِها» دَقَّاتُ قَلبي.. وفي «سَمرائِها» سِحْرُ الكِلاءِ. الدكتور يحيى عيشان تحدث عن الذاكرة التي رصدت دقائق الاحداث ووثقت بوجدانية اسرار بيوت كانت مكشوفة لكننا لانراها، منوها الى البعد الدرامي الذي يكشف بشفافية عن حياة بسيطة لكنها عميقة.
واضاف عيشان:» استطاعت مخيلة الكاتب مساحة الهمته الدخول الي حياة الناس دون ان يتعرض لاصل القصة او يغير في احداثها ، اضافة الى ان الكاتب قد حافظ على الفهم العام وعالج الثقافات بمستوياتها المتعددة ووازن بين العقائد ووحدنا في هوية الاردني من اين ما كانت منابته»
واشار عيشان الى ان الحارة في عرف الكاتب هي امتداد من روح وجسد وانفاس تتسلل عبر حكايا مغزولة بحب وطن، وان حارة الكاتب هي حارة كل الاردنيين من شرقي النهر لغربيه ومن شماله لجنوبه ، فالحارة في مفهوم الكاتب هي سهول حوران وجبال الشوف وزرقة البحر اينما كان البحر في جنوبه او غربه ، وهي كل مدينة اردنية فلسطينية وهي وجع الخواصر وتعب الملامح المرسومة في صفحة الوجوه ، وهي ضحكة القلوب الممتلئة بندى صباحات الكرك ورائحة الطابون وكسرات الخبز المنقوع بالشاي المدخن فالكاتب من خلال كتابه اعاد كتابة اسماء كانت حتى الامس مغمورة بين فجرها وليلها ، لتصبح اليوم من خلال نسوان حارتنا عرسا كركيا يزغرد في سماء الوطن متلالا بحكاياها.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة د. حسين محادين تساءل عن سر الإبداع وخيط الإلهام الناظم بين أفكار الأدب الساخر الواخز في وطننا انطلاقا من وجع طملية ومرورا بغيشان والزعبي وليس انتهاء بالشمايلة الذي اعتبره محادين مع كتابه نسوان حارتنا نبضان راشحان من مسامات المكان ورويد الفرح في قرى الوطن..أهلا محبين.. وضيوف واجب؛ حنجرتان صاعدتان بجرأة من خطاب الشارع تماما كإطلالة حي الثلاجة الشاهق قِبالة قلعة الكرك.
وختم محادين ان حكايات الحارات عود ثقاب يُوقد ذاكرة الأمس الغافي فينا، مواجع وآهات كل النساء، أمهاتنا، حبيباتنا، لا بل واكتمال ذكورتنا معهن في مسيرة كل حضارات الأرض التي وقعت على جدران هذه القلعة الملهمة له بالمعاني الإنسانية النبيلة والصور العميقة لذكريات النساء التي تأبي الذبول في حواسنا جميعا.الرأي