31-08-2015 09:12 AM
سرايا - سرايا - على مساحة 35 عاماً ماضية، يواصل الكاتب علي القيسي جهده الكتابي بشقّيه الإبداعيّ والنقديّ. وهي جهود تتصف بمثابرة لافتةٍ وإصرار على الدوران في هذا الفُلْك الإنسانيّ الرحب. لا تقعده إخفاقة هنا، أو معضلة صياغة هناك. يكتب ويمحو، ويمحو ويكتب، ويعيد المحاولة، ويواصل القراءة عارفاً أنها الزاد والملاذ.
صدر للقيسي عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين المولود العام 1953 في ربّة الكرك، عديد الكتب النقدية والأدبية المتحركة في مساحة النثر وتصاريفه، آخرها كتابه «لغة سريّة» الصادر عن دار الآن ناشرون وموزعون بالتعاون مع دار أزمنة للنشر والتوزيع، وهو المؤلف الذي شكّل حافزاً أساسياً لإجراء هذا الحوار مع الحائز في العام 2014 على جائزة القدس.
تمارس، منذ سنين طويلة، الكتابة الأدبية نقداً ومقالات وأحياناً الكتابة الإبداعية، ما هي برأيك روافع الكتابة؟ ما الذي يمكن أن يجعل كاتباً معروفاً أكثر من غيره ومؤثراً أكثر من غيره؟
روافع الكتابة كثيرة وهي تعود إلى قدرة الكاتب على تطوير ذاته والإفادة من تجربته الإبداعية في صقل هذه التجربة بالمعرفة (الديالكتيك) والثقافة الواسعة، فالكتابة هي القدرة على توحيد قوى النفس والتعاطف مع ما حول الكاتب وتسخير الذات في عملٍ مبدع. وما يجعل الكاتب معروفاً هو النشاط واختيار القضايا الأساسية في حياة المجتمع، والدور الإعلامي في متابعة الكتاب البارزين وتسليط الضوء على أعمالهم الإبداعية وترويجهم.
في كتابك «لغة سرية» الصادر حديثاً.. تتباين النصوص إلى الحد الذي تصبح فيه بلا هوية جامعة ولا سوية ممكنة. فما هو توضيحك الضروري لهذا التفاوت الكبير؟
شكرا على هذا السؤال، فأنا معك أن «لغة سرية» إصداري السادس، يحتوي بعض التباين في النصوص، حيث كتبت هذه النصوص على فترات متباعده وفي أجواء زمانية ومكانية مختلفة، وهي نصوص نثرية ذات أبعاد أدبية ووجدانية ورومانسية وإنسانية فيها التأمل والتحديق والتقاط اللحظة ورصدها وثمة تكثيف للفكرة والتعبير عن المعنى بأقل الألفاظ وهي تشبه إلى حد ما القصة القصيرة جداً التي تسمى بالومضة، وأيضاً ثمة شاعرية وموسيقى داخلية. وهناك الحكمة والموعظه والدعوة إلى أنسنة الأشياء الجامدة والتصالح مع الذات، والشعور بالأمن النفسي برغم القلق والخوف الهائل الذي يسكن النفوس في هذا العصر المادي الذي قزم القيم وعملق الغرائز والماديات.
يعتري كتاباتك النقدية بعض انطباعية تقرأ النص المتناول بين نقداً وتحليلاً من الجهة الظاهرة للعيان من النص دون الغوص داخل مراميه الخافية على القارئ العادي. السؤال هنا هل تعتمد مدرسة نقدية بعينها؟ وإن كنت تفعل فما هي تلك المدرسة؟
عمر تجربتي النقدية لا يزيد على عشرة أعوام، وفي الأثناء قرأت كثيراً من كتب النقد العربية والأجنبية وحاولت صقل ثقافتي النقدية الأدبية آنذاك في الانكباب على الرواية والقصة والشعر، وقد عززت قدرتي على ممارسة الكتابة النقدية وهي تجربة ليست سهلة، عبر الاطلاع على العديد من المدارس النقدية والأدبية والفلسفية مثل الكلاسيكية، والطبيعية، والرومانسية والواقعية بأنواعها الرمزية والسوريالية والبنيوية والتفكيكية والسميائية وأيضاً المدرسة الانطباعية التي تأخذ النصيب الأوفر في التطبيق في عالمنا العربي. مدرستي النقدية تراوح بين الرومانسية والرمزية والبنيوية، حيث يقول الناقد صالح هويدي «إن من المقومات اللازمة للقراءة تعيين المنهج الذي سيوظف في قراءة النص الادبي».
زاوجت في عديد من مراحل سيرتك بين الكتابة الإبداعية والكتابة الصحفية.. كيف رأيت هذه المزاوجة؟ وأيهما أفاد الآخر؟
بدأتُ من خلال الكتابة الصحفية منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً وقد كتبت في معظم الصحف الأردنية اليومية والأسبوعية، خصوصاً جريدة «الرأي» التي ما أزال أكتب فيها، وبرأيي الكتابة الصحافية ليست سهلة، فكثيرٍ من الأدباء والمفكرين يكتبون في الصحافة، إضافة الى كتاباتهم الإبداعية وهذا يشكل تجربة غنية للكاتب في سبر أعماق الحياة والاطلاع على قضايا الناس ومشاكلهم، فالكتابة الصحفية والإبداعية وجهان للحياة.
منذ «نبضات قلب» وصولاً إلى لغتك السرية، هل يمكن أن تقرأ مدفوعاً بنقد ذاتيٍّ أمين مدى المنجز الذي تحقق؟
البدايات تكون متواضعة عادة، ورغم بهجة الكاتب بمنتجه الأول، إلى أنه يشكل عبئاً ثقيلاً على الكاتب بعد سنوات من عمره الإبداعي، حيث يكتشف أنه قد تسرع في إصدار مخطوطه الأول أما نبضات قلب الصادرة لي عام 1987، فإني أعتز بهذا المؤلف رغم ما ذكرت لك لأنه اللبنة الأولى والمدماك الأول في بناء تجربتي الأدبية وما وصلت إليه من إنجاز ولولا «نبضات قلب» لما وصلت إلى «لغة سرية»، ولا إلى النقد الأدبي في كتابي «عصارة الفكر في الشعر والنثر».
تشوب بعض متابعاتك أجندات شخصية وتقود بعضها العلاقات وغير من ذلك من الحسابات، هل توافق على ما تقدم؟ وإلى أي مدى يحصل ذلك مع نقاد آخرين؟
في كتابي النقدي «عصارة الفكر في الشعر والنثر» الصادر عام 2014، تناولتُ عدداً من الأسماء داخل الأردن وخارجها. وعادة ما أتعرض لهذا السؤال وهذه الملاحظة من قبل الكتاب والأدباء الأردنيين حول موضوع الكتابة للأصدقاء.
وبصدق عميق معظم هؤلاء المبدعين الذين كتبت عن مؤلفاتهم، لم ألتقِ بهم بتاتاً ولم أعرفهم من قبل إلا من خلال كتبهم ونتاجاتهم الأدبية دون ذكر الأسماء، وأقول لك أيضاً إن هؤلاء الكتاب المبدعين جلهم ينتمون لرابطة الكتاب، وأنا أنتمي إلى اتحاد الكتاب ورغم هذا الفارق في الشكل بين الهيئتين إلا أنني لم أنظر إلا للشخص المبدع الذي يستحق أن يُكتَب عنه لأنه مبدع ومثقف وليس لأنني أعرفه أو اتفق معه أيدولوجياً.