31-08-2015 10:11 AM
بقلم : كامل النصيرات
سرايا- رحم الله زياد أبو غنيمة ..الصديق الذي هرب إلى ربّه حاملاً معه إرثاً عظيماً من العطاء أبقى نسخةً مصدقةً منه بين أيدينا لمن يريد الاطلاع ..
حين ضاقت بي الدنيا و أنا في سجن "سواقة" سنة 1996 لأن لا أحد يثير قضية أديب شاب خلف القضبان مسجون بسبب الحريّة و الكلمة وكان زياد أبو غنيمة –يومها- فارساً من فرسان جريدة شيحان التي كانت تطلق الرصاص و ترعب عندما تنشر .. فهرّبتُ إليه من سجني حكايتي ..فانتصر لي ..وكتب عنّي أكثر من مرّة مطالباً بالإفراج عني ..وكان السجانون يهرّبون لي ما يكتبه عنّي ..والسجانون اليوم ؛ منهم من تقاعد ومنهم من صار ضابطاً كبيراً ..كانت كلمات زياد تؤنسني و ترفع من معنوياتي ..
و دارت الأيام و أصبحت زميله في الكتابة اليومية في جريدة الأنباط منذ تأسيسها مروراً بمعاركها وحتى خفتانها ..وكنتُ معه من ضمن مجموعة من الكتّاب الذين يضعون المتفجّرات في الكتابة و الذين سببوا قلقاً و صداعاً دائماً للسلطات أيّامها ..ما زلنا ندفع ثمنه لليوم جوعاً و تهميشاً ..
ذات يوم من تلك الأيام ..دُعينا مع إعلاميين كثر إلى منزل وزير كبير ..وأنا القادم من الغور لتلك الجلسة ..فأجلسني زياد بجانبه و كان أمامه "صحن مكسّرات" من النوع الفاخر ولمّا رآني لابساً خجلي؛ قال لي : مِدْ إيدك ..إذا هبّت رياحك فاغتنمها..فابتسمتُ ولم أمد..فكمش وأعطاني فأخذتُ وهرّبتُ الكمشة لجيبي سرّاً لأنه لا يعلم – رحمه الله – إنني أمتلك في فمي –حينها- بقايا أسنان تمنعني من اغتنام أي شيء ..!!
شعرتُ بغصّة حقيقية حينما وصلني خبر وفاته ..لأنه من القليلين المخلصين الذين أثق فيهم و الذي قاد معارك كثيرة بنظافة و طهارة ..و لم يكن متحجراً ..بل كان منفتحاً على الآخر ..صاحب نكتة و خفة ظل ..وأحياناً كان يلجأ للأسلوب الساخر في كتابته التي كانت صواريخ بحق ..
رحم الله (أبا محمود) عاش عظيماً و مات عظيماً ..و كل العزاء لأبنائه أصدقائي الذين لا ألتقيهم أو أتواصل معهم إلا صدفةً ..و لهم أن يرفعوا رؤوسهم برجل مثل أبيهم ..