09-09-2015 05:04 PM
بقلم : مصطفى صالح العوامله
اللصوص الأذكياء هو من اعتادوا سرقة ما خف حمله وغلا ثمنه ، إذ أصبح هذا القول قاعدة ذهبية لعباقرة لصوص الأدب والثقافة والسياسة والإقتصاد وحتى المشيخات الكاذبة ، ونخبهم من المستويات الرفيعة من اللصوص ، ولذلك جيروا مقولة الإنسان أغلى ما نملك ، والوطن أغلى ما نملك ، إلى بضاعة غلا ثمنها وحف حملها تباع وتشترى، لإرتفاع ثمنها وسهولة بيعها ،وتحويلها إلى أرصدة تودع في حساباتهم السرية ، بعد أن تلاشت مناسيب القيم وتبددت ملامح الأخلاق واضمحلت المعايير والمباديء الرفيعة لتصبح أموراً نسبية ترتفع وتنخفض من خلال الأبواق الإعلامية والحملات الإنتخابية والترويج السياسي لتمرير صفقات مشبوهة على حساب كل المصالح ، إلا الشخصية والفئوية والنخبوية ، لتشكل زخما متناسبا طرديا مع مستويات الإثام المرتكبة والفوائد المأمولة لمرتكبيها ، فلا أهمية للوطن والإنسان وكرامتة وعزته إلا بمقدار ما يتم تحصيله والإستيلاء عليه منه وعلى حسابه ، ولهذا تحضرني قصة قديمة صديقي الصدوق بسام الياسين ، الذي لن تمل النقر والضرب على رؤوس النائمين والمتقاعسين والممعنين بالإثم الرذائل ، تقول القصة ، حصل في قديم الزمان أن أحد السلاطين قد نذر نذرا بأنه إذا جاءه وريث لعرشه بعد أن قطع الأمل بالخلف ، أن يقيم الأفراح والليالي الملاح سبعة أيام بلياليها في عاصمة ملكه السعيد ، وبعد حين منت عليه الإرادة السماوية بمولود ذكر جميل الطلعة ، فأمر صدره الأعظم بتوزيع مليون دينار ذهبا من خزينة الدولة على سكان العاصمة ، ليقيم أهاليها الأفراح والليالي الملاح ويوقدوا الشموع والقناديل وحلقات الرقص والفرح في شوارعها وبيوتها ، فصدع الصدر الأعظم للأمر على الطريقة التي اعتاد عليها بتنفيذ أوامر السلطان ، فاستدعى نائبه المعني بشؤون العامة ، وقال له لقد منح جلالة السلطان خمسمئة الف دينار ذهبا ليتم توزيعها على أهالي العاصمة ليقيموا الأفراح ويشغلوا القناديل والشموع وينشورا الولائم في شوارعها بحث تظهر المدينة كشعلة من اللهب وروائح الطعام تزكم الأنوف ، فأخذ المبلغ من الصدر الأعظم ووعده بتنفيذ الأمر حرفيا ، وطلب من خدمه إستدعاء صاحب العسس للحضور إليه لأمر هام ، فلما أتي صاحب العسس أعلمه بأن السطان قد أمر بأن يقيم أهالي العاصمة الأفراح والليالي الملاح ويوقدوا الشموع والقناديل وحلقات الرقص والفرح في شوارع المدينة ولتنفيذ ذلك أنعم علينا السلطان بمائتين وخمسين الف دينار ذهبا توزع على أهالي العاصمة لتنفيذ المطلوب ، فقام صاحب العسس بالإتصال بشراشيبة الذين قدمهم على الشيوخ والأعيان الأصيلين بالمدينة ، وطلب منهم تنفيذ ما أمر به السلطان بعد أن أعطى كل واحد منهم دينارا ذهبيا ، ولأنهم يعرفون تنفيذ الأوامر كما اعتادوا على تنفيذها وبمعرفة أسيادهم الذين صنعوهم وقدموهم على أشراف وشرفاء المدينة ، طلبوا مساندة صاحب العسس بتنفيذ المطلوب بمعاونة صبيانهم وزعرانهم ومجرميهم فجالوا ( بالمدينة الفاضلة ) يرغمون الأهالي المساكين على تنفيذ أوامر السلطان ، وأن من يخالف التعليمات المطلوبة سيزج به في السجون وستشتتت أسرته ووتصادر أملاكه و أمواله على الرغم من قلتها وعدم كفايتها لعيش الكفاف ، فتم تنفيذ المطلوب وجال السلطان بالمدينة ووجد كل شعبه يرقص ويمرح ، ولم يشاهد أصحاب السياط والعصى المخفين بين الناس ، فلم يدم ملك سطان ذلك الزمان لأنه جمع حوله قمامة الخلق وحثالة الناس وجعلهم قائمين وقيمين على مصالح الناس وأموالهم وأعراضهم وكل مناحي حيانهم ، بعد أن ثار الشعب واجتث الفساد والفاسدين من وألقى بهم في مزابل التاريخ ، ليكونوا عبرة لمن أتى بعدهم ، فالظلم مرتعه وخيم ، وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم ، وعلى الباغي تدور الدوار في كل زمن وكل حين ، وأن الله يمهل ولا يهمل ، وهو علام الغيوب .