15-09-2015 09:28 AM
سرايا - سرايا - تُعدُّ المفردة واحدة من عناصر التكوين في اللوحة الفنية، وتؤدي دوراً دلالياً واضحاً، ففي لوحة (القارئة) تشكلت المفردات من فتاتين بيد احداهما كتاباً تقرأ فيه، فيما تلتفت اليها الأُخرى، في مكان هو أقرب الى الغرفة بدلالة جلوس الفتاة القارئة على ما يشبه الاريكة ساندة احدى يديها على حافة المسند.
يؤشر انسدال جفني الفتاة القارئة دلالةً على استمرارها في القراءة، وكذلك اتجاه رأسها الذي يحيل المتلقي في الوقت ذاته الى تأشير وضعية هذه الفتاة، فهي لا تستغرق استغراقاً كاملا ً في القراءة، بدليل عدم انحناء الرأس الى الأسفل باتجاه الكتاب، ولكنه انحناء خفيف يؤشر تواصلها مع الفتاة الأُخرى التي-ربما- تبدو أُختها، وهذا ما يؤكده اكتفاء الفنان برسم كفيّ الفتاة وهي تمسك بالكتاب بطريقة لا تؤشر محاولتها لإخفائه أو الاستئثار به، بل بطريقة توحي بالتواصل بينهما، فالأُولى تقرأ والثانية تستمع باستغراق.
تتموضع الفتاة المستمعة في الجهة الأمامية من اللوحة أي الجهة الأقرب الى المتلقي، ورغم أن تمظهرها كان جانبياً إلاّ أنّ كتلة جسدها تستدير بعيداً عن المتلقي باتجاه الفتاة القارئة، وتبدو هذه الكتلة متكورة على بعضها وتلمُّ يديها وتشبكهما أمام جسدها بحيث لا تكاد تظهر للمتلقي، كما أنّ جسدها يستدير تماماً مما يؤشر استقبالها المستغرق لما يُقرأ، وانصرافها عن غيرهِ.
إنّ قراءة الفارق بين حجمي الكتلتين يحيلنا الى وعي عالٍ للفنان تمكّن من طرحه بشكل جليّ يتمثل في أنّ النقطة الذهبية لهذه اللوحة هي الفتاة القارئة وليست المستمعة، فهي العنصر الأكثر ايجابية في هذه اللوحة بدلائل قدّمها الفنان للمتلقي منها الظهور النصفي لكتلة جسدها، والعناية الفائقة برسم تفصيلات أجزائه وتناسقها والتي أغنت عن ظهور النصف الثاني من الجسد، بل كان لإخفائه خلف كتلة جسد المستمعة اشارة من الفنان لمحاولته الواعية في دفع المتلقي الى تركيز رؤيته العيانية على هذا الجزء فقط.
وكذلك تشي ملامح القارئة بأنّها الأصغر عمراً والأكثر شباباً وجمالاً بدلالة صغر حجم كتلتها مقارنة بحجم كتلة المستمعة. كما تلعب القارئة هنا دور المرسل لما تقرأ، وهو دور يحمل ملامح ايجابيتها، فيما تلعب المستمعة دور المتلقي السلبي رغم ملامح الانصات التي أبرزها الفنان.
تلعب المنظومة اللونية هنا دوراً تفاعلياً حيث اعتمد الفنان الألوان الفاتحة لملابس الفتاة القارئة، فكان اللون البيج هو الطاغي على ملابسها، ولكنه متداخل مع ضربات لونية خفيفة من الأصفر والأحمر المغبر، فيما تأخذ مناطق الظل اللون الأحمر الفاقع مما يؤشر حيوية وحركية تتميز بهما هذه الفتاة، أمّا جزء فستانها في منطقة الجلوس فيتخذ اللونين الزيتوني والبني المتدرجان منطقة ظلال ليؤكد جلوسها على الاريكة.