20-09-2015 08:53 AM
سرايا - سرايا - للصحراء التي باتت هاجسه ووجهته ومداه، يقيم الكاتب الزميل جهاد جبارة في «لاستوريا» مادبا معرض صورٍ فوتوغرافيٍّ يحمل عنوان «حكايا الصحراء».
المعرض الذي اقتتحته وزيرة الثقافة لانا مامكغ، يتضمن 80 لوحة/ صورة تشكّل بعض غلة أسفاره في أربع جهات البلاد، خصوصاً الصحارى الواقعة عند أقصى التخوم بين الأردن والسعودية والعراق وسوريا، في جنوب شرق وشرق وشمال شرق حدودنا هناك.
عناوين الأعمال لا تخلو من دلالات، وهي في سياق متصل تحمل في بعض وجوهها معلومة حول المكان والزمان: «بازلت» (نوع من الصخور الصحراوية التي تستخدم لطحن الحبوب القاسية وهي تنتشر في وادي سلمى شمال شرق الأردن أكثر من غيره)، «مقعد» حيث يشبه الحجر الذي التقطه جبارة مقعداً يعانق أفق صحراء الضاحك جنوب شرق البلاد.
«فطر» المتكون، كما يرى جبارة جمالياً، من قصف الرعد وضوء الشمس وحنين الأرض، «رفقة» وهو ما رآه الكاتب الفنان في مشهد حجرين متقابلين بسلام وصمت مهيب.
وهكذا تكرج العناوين كما تكرج كاميرا جبارة المهداة من قبل جلالة الملك عبد الله الثاني دعماً لما يحققه الزميل من توثيق لأماكن قابعة في البعيد الموحش المحمل بأسرار ومفردات جمال تحتاج لعين بالغة الخصوصية والحساسية كي تلتقطها: «مساء»، «كرم»، «عرق»، «تعب»، «العطرفان» الزهور الجميلة الغريبة التي تتوسط أوراقاً خضراء شمال شرق البلاد.
«مشوار»، «انتظار» لينهمر السؤال: ما الذي أو من الذي ينتظره الحجر في وادي سمي؟ هل ينتظر بدوره (غودو) كما فعل بطلا مسرحية الفرنسي صموئيل بيكيت؟
قليلة هي اللوحات التى تركها جبارة بلا عنوان ولا تعليق، فرحلته العابرة بِنِعالٍ من ريحٍ هي نَصُّ كَشْفٍ وفعلُ رؤيةٍ وتعاريجُ رؤيا، وفيها تتقاطع شهوة الالتقاط وتخليد صيد الكاميرا والعين التي خلفها، مع روح الحرف الذي تنسجه اللحظة نفسها وتداعياتها وجمالياتها.
سبق افتتاح المعرض تقديم الفنان والروائي الزميل حسين نشوان قراءة نقدية في تجربة جهاد جبارة. يرى نشوان في الورقة التي حملت عنوان «رحلة في نفس المرتحل» أن جبارة، ولفرط محبته للصحراء، يكاد أن ينسى نفسه هناك، معتزلاً ومتصوفاً.
يقول نشوان: «ولفرط شوقه لها (أقصد الصحراء)، فإنه حينما يغادرها، يود لو يحملها معه، ويستعيض عن ذلك بالصورة التي يأخذها معه كي لا يمرض بالحنين».
نشوان يذهب إلى أنه لو تسنى لجهاد أن «يحمل حجارة الصحراء، ونباتاتها، ويسوق غزلانها وغيماتها لما وفّرَ جهداً».
الإنسان البدائي حينما كان، بحسب نشوان، يرسم صور الحيوانات على جدران الكهوف، كان «يعبّر عن امتلاكها، وهذا ما نراه في النقوش التي صورها جهاد جبارة على الحجارة للأسود والغزلان والخيول والطيور، لم يكن الرسام القديم ينطلق من بذخ الرغبة في التصوير، بل من الحاجة للسيطرة».
جبارة كما يرى نشوان لا يسعى إلى (التملك)، فحسب، بل «التحدي» في الاكتشاف، لهذا الكائن الذي أطلقت عليه العرب: البيداء، بمعنى الموت، والصحراء، أيضا الموت، وكانت في اللهجة المحلية تسمى المقابر «الصحراء»، وهنا في المعرض يريد أن يبين الحياة، ووجوه الصحراء المتعددة والمتخفية في نظام لا يدركه الإنسان إلا إذا تعايش معه.
نشوان يختم بالقول: «رحلة في المرتحل.. رغبات الصوفي هذه رحلة في نفس جهاد جبارة، هي رحلة في نفس الصوفي، وكان ينبغي أن نقوم بها قبل السؤال عن علاقته بمعشوقته: الصحراء».
جبارة ألقى في الندوة التي عقدت قبيل معرضه وعلى هامشه، ضوءاً على بعض تعاريج تجربته البطولية الاكتشافية بعبق صحراوي لا يخشى عنت خوض غمارها وغبارها وسراب امتدادها السرمديّ.كما تحدث زرياب مصور الملك الراحل طيب الله ثراه عن خصوصية تجربة جهاد جبارة وجماليات الوطن التي تخفى أحياناً على فعل التلقي الكسول وتحتاج إلى عين محبة حدوبة كي تلتقطها.