21-09-2015 02:17 PM
بقلم : منور أحمد الدباس
بعد توقيع القاده الفلسطينيين بقيادة ياسر عرفات عليه رحمة الله اتفاقية اوسلوا يوم 3/9/1993، وعقدوا مع العدو الصهيوني الأتفاقيه التي منحت الفلسطينين الحكم الذاتي ، والذي تمخض عنها انشاء السلطه الفلسطينيه والتي انتقلت بعدها القياده الفلسطينيه من تونس في المغرب العربي الى رام الله في الضفه الغربيه وقطاع غزه ، حيث تم انشاء السلطه الفلسطينيه بقيادة المناضل ياسر عرفات والذي استطاع ان يلملم الوضع الفلسطيني المشتت من قيادات سياسيه وعسكريه وجنود خارج فلسطين ويؤسس السلطه الفلسطينيه ، ولما احست اسرائيل بأن السلطه الفلسطينيه اصبح لها قوه امنيه لا يستهان بها في الضفه والقطاع ، وكانت العمليات الإستشهاديه السلاح القوي الذي تسلحت به المقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت في الضفه وقطاع غزه ، وتبني حركة حماس والجهاد الإسلامي لهذه العمليات الإستشهاديه حتى وصلت الى عمق الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين ، كانت ضربات موجعه للعدو الأمر الذي كان يرد عليه العدو الصهيوني بضرب وتدمير المكاتب والمخافر الأمنيه التابعه للسلطه الفلسطينيه ، واعتقال الشرفاء المناضلين من الضفه والقطاع حتى اصبحت سجون العدو متخمه بالسجناء من الفلسطينيين والذي لا يزال الألاف منهم في سجون العدو الصهيوني . كانت اسرائيل على خلاف قوي مع قائد السلطه ياسر عرفات ، وقد انتقل هذا الخلاف من السر الى العلن ، وكانت اسرائيل تحمله كامل مسؤولية العمليات البطوليه التي كان يسطرها الفلسطينيون في الضفه وقطاع غزه ، واذكر بأن سياره مفخخه قد تفجرت بالقرب من بيت احد رؤساء الوزارات الصهيونيه وقد ارتعب وارتعبت اسرائيل من هذه الشجاعه ، الأمر الذي صب جام غضبهم على السلطه الفلسطينيه ، مع أنه منذ نشأتها قد اتخذت من السلام مع اسرائيل خيارا استراتيجاً لها ، وأعلنت لكل العالم بأنها قد تخلت عن العنف مقابل عملية السلام مع اسرائيل، وقد تجرأت السلطه جهارا نهارا بالتعاون الأمني الموثق مع الأجهزه الأمنيه في اسرائيل الذي اضر بالمقاومه ، وكان لهذا الخطوات الخطيره التي خطتها القياده الفلسطينيه بقيادة فتح ردود فعل لدى الذين تبنوا مشروع المقاومه ، وقد اصبحت العلاقات الفلسطينيه الفلسطينيه سيئه للغايه بعد التنازلات التي قدمتها السلطه للعدو الصهيوني مقابل بقاء السلطه الفلسطينيه تتحكم في الضفه الغربيه وقطاع غزه وتغذية السلطه بالمال الذي تحتاجه لتغطية نفقاتها التي وصلت سنوياً في ذلك الوقت إلى اكثر من مليارين ونصف مليار دولار تغطى من الدول المانحه ومن الضرائب .
زاد اشتعال المقاومه الفلسطينيه في الضفه وقطاع غزه ، وكانت عمليات المقاومه تتبناها حركة حماس والجهاد الإسلامي ، وغدت هذه العمليات الموجعه للعدو الصهيوني غير مرضيٌ عنها من قبل القياده الفلسطينيه في السلطه وكانت تتلقى اخبارها بالشجب والإستنكار والبكاء على الضحايا وذلك عقب كل عمليه نوعيه للمقاومه في الضفه الغربيه وقطاع غزه وتعلن حركة حماس او الجهاد الإسلامي عن تنفيذها ، وكان المناضل ابو عمار اذا ما حصل اي احتكاك بين فتح السلطه وحماس المقاومه يذهب الى قطاع غزه ويقبل رأس الشيخ أحمد ياسين رحمة الله عليه ، وبعدها ينتهي كل شيىء وتعود الأمور الى مجراها وتبقى العلاقه بين فتح وحماس يسودها التوتر سياسياً وعسكرياً بسبب تبني حركة حماس مشروع المقاومه وتنفيذ العمليات العسكريه النوعيه في العمق الإسرائيلي . ولما اشتدت عمليات المقاومه في قطاع غزه الصامد المناضل وأيقن العدو الصهيوني بأنه يرى وجوده في قطاع غزه مكلف ولا جدوى منه ، ناهيك بأن هذه العمليات كانت تشكل إحراجاً شديداً للسلطه الفلسطينيه من جميع النواحي وخاصه من الناحيه البشريه ففي كل عمليه في غزه كان يفقد الجيش الصهيوني المحتل جنودا وضباطاً ، وقد تسبب في انتشار التذمر بين الجيش الصهيوني المحتل لقطاع غزه و كثرت حالات رفض الجنود والضباط الخدمه في قطاع غزه الملتهب ، لدرجة ان بعض الجنود والضباط الصهاينه يقولون ( ارسلونا الى جهنم ولا ترسلونا الى غزه ) ، وبعد هذه المعاناه من الجيش الصهيوني الذي سببه المقاومه في غزه ، وضغط القياده العسكريه على القياده السياسيه للإنسحاب من قطاع غزه ، حيث اثمرت هذه الضغوطات من قبل العسكر الصهاينه ، وفعلا قررت القياده السياسيه والعسكريه بزعامة شارون السفاح الإنسحاب من قطاع غزه ، لكن الإنسحاب سيجري بدون التنسيق مع السلطه الفلسطينيه حيث ان شارون قد صرح في وقتها اكثر من مره انه لا يعترف بالسلطه اساساً فكيف له ان ينسق معها في عملية الإنسحاب .
وقد شكل هذا التصرف من العدو الصهيوني صدمه قويه للقياده الفتحاويه في السلطه الفلسطينيه ، خوفا من أن يحدث الإنسحاب فوضى في قطاع غزه بسبب عدم التنسيق مع السلطه الفلسطينيه ، وكانت فرصه قويه للمقاومه الفلسطينيه ان تحسن مواقعها في قطاع غزه لكن القيادات الإسلاميه في غزه كان يسودها التعقل ولم تقفز عن السلطه الفلسطينيه وحكومتها وتتجاهلها ، حيث تركت للسلطه كامل القطاع تديره مع الضفه الغربيه ، واحتفظت حركة حماس والجهاد الإسلامي بمشروع المقاومه واعتبرت ان كل فلسطين من النهر حتى البحر ساحه لعملياتها العسكريه وهذا كما ذكرت مخالف لرغبة القياده الفتحاويه داخل السلطه الفلسطينيه التي تتمسك بالسلام كخيار لها ، وهي تريد ان تقيم دوله فلسطينيه عاصمتها القدس وتعيد كامل الحقوق الفلسطينيه بالمفاوضات وليس بالمقاومه ، فخيار المقاومه اسقطته منذ وقعت على اتفاق اوسلو واصبح قطاع غزه تحت سيطرتها الأمنيه والمدنيه بعد الإنسحاب العسكري الصهيوني ، وقد غطت الإحتفالات قطاع غزه ورفعت اعلام فلسطين ورايات فتح وحماس تتويجا لهذا النصرالمبارك ، وكان الإنسحاب هزيمة منكره للعدو الصهيوني والذي تسبب في احداث خلافات عميقه بين القيادات الإسرائيليه حيث وجهت الإنتقادات الحاده الى حكومة شارون المجرم . ونعلم قبل وبعد الإنسحاب من قطاع غزه بأن فتح وحماس يسيران في خطين متوازيين ، كل واحد يرى في خطه انه يسير بالإتجاه الصحيح ، لكن الصراع في رام الله والخلاف السياسي بين ياسر عرفات ومستشاريه من عسكريين وسياسيين من جهه وبين محمود عباس ودحلان ومن يسير على خطهم من جهة أخرى يحيث وصل الخلاف بين الطرفين الى حد حصول عصيان على ياسر عرفات ليتم عزله ووضعه في منصب تشريفي منزوع الصلاحيات ، وكان سبب هذا الخلاف تعين وزير الداخليه ومسؤول الأمن الوقائي والمخابرات في السلطه ، فكل من الطرفيين يصر على تعيين شخصيات من الموالين له الا أن الخلاف اشتد وتأجج ، ولم يستطع الحكماء في حركة فتح من التوسط بحل يرضي الطرفين ، ورفض محمود عباس تشكيل حكومه الا بتحقيق رغباته في تعيين بعض الحقائب الوزاريه والأمنيه حتى يضمن سيطرته الفعليه على السلطه وتجفيف سلطة ياسر عرفات ، وبسبب الرفض المطلق من المناضل ياسر عرفات لرغبات الطرف الأخر اعتكف محمود عباس في بيته رغم مناداة رئيس السلطه ورئيس منظمة التحرير الفلسطينيه ياسر عرفات بتكليف عباس برئاسة الحكومه ، وكانت رغبة اسرائيل الواضحه غيرالمخفيه هي التعامل مع جناح عباس دحلان وتهميش ابو عمار ، وقد كان شارون المجرم يهدد ابو عمار ويطلب منه قمع المقاومه الفلسطينيه في قطاع غزه الا انه عليه رحمة الله ، كان يرفض ويناور ويحسن المناوره الى ان مل منه شارون وهدم عليه المقاطعه ، وفرض عليه حصاراً شديداً وقطع ومنع كل وسائل الإتصالات الخارجيه معه ، وقد عمل شارون القذر المجرم على اذلاله امام شعبه لكن الشعب الفلسطيني كان ولاؤه المطلق لياسر عرفات ، وبقيت كل الأمور تحت سيطرة ابو عمار ، لكن من المخجل ان لا زعيم عربي او اسلامي ساند ابو عمار في محنته وحصاره وقد دفع عليه رحمة الله الثمن غاليا نتيجة اصراره على موقفه المشرف بعدم تنفيذ رغبة اسرائيل في تصفية المقاومه واحداث حرب اهليه بين الفلسطينيين وهم يرزحون تحت نير الإحتلال البغيض ، وكان شارون المجرم يقول : ( سوف اساعد الرب على موت عرفات ) وقد كررها في مناسبات كثيره وكان ابو عمار يرد عليه ويقول :( شهيداً ..شهيدً..شهيدا ) ، وكان عليه رحمة الله تعالى في سره يفرح من داخل قلبه حين يحدث هجوم للمقاومه او عملية تفجير مفخخه تهز وترعب الكيان الصهيوني المحتل . ومضت الأيام الصعبه على ابوعمار ومساعديه ومستشاريه في المقاطعه التي دمرها العدو الصهيوني ويقيم بما تبقى منها ، وبعد سنتين من المحاصره اعلن الطبيب المشرف صحيا على ياسر عرفات د. اشرف الكردي ان ياسر عرفات يعاني من مرض غير معروف في المعده يسبب له ضعف شديد وخطير ، وأحدث هذا الخبر ضجة في فلسطين وعلى عجل تقرر نقله الى فرنسا للعلاج ، حيث التف الشعب الفلسطيني حول المقاطعه بمئات الألاف وكأنهم في وداع للرئيس وهم بين حالة شك ويقين بأن الرئيس لن يعود حياً الى فلسطين ، وكان شك احباء ابو عمار في محله حيث لم يعد الا جثةً محمولاً على الأكتاف الى مثواه الأخير في رام الله ، حيث رفضت اسرائيل ان يوارى جثمانه في القدس الشريف تحقيقاً لرغبته ، ودفن في رام الله بعد ان ودّعه الشعب الفلسطيني الذي احبه ومنحه الولاء المطلق لقائد كان يتمتع بالحكمه والشجاعه والحنكه السياسيه ويقسم على كل الأرقام .
احدثت وفاة ابو عمار ضجة عنيفه على المستوى العربي والعالمي ، وبين شعبه الذي اصابته صدمة عنيفه بوفاة رئيسه ومفجر ثورته ، والذي كان رمزاً واباً وأخاً لكل فلسطيني وصديقاً حميماً لكثير من زعماء العالم والزعماء العرب الا انه افتقدهم وهو محاصر لأكثر من سنتين في المقاطعه ، كان بأمس الحاجه لأن يفتح أحدهم هاتفه ويهاتفه ويخفف عنه ويكسر العزله القاتله التي كانت تحوم حول اقامته في المقاطعه ، والتي اصبحت بعد ترجله يوم 11/11/ 2004 محجاً للزعماء والوفود من العرب والعجم والأغراب .
dabbasmnwer@yahoo.com