22-09-2015 09:07 AM
سرايا - سرايا - في «جدل الحرية والآخر والنهضة» يجمع الأديب والشاعر والأكاديمي د. خالد الكركي، شتات رحلة البحث عن الذات والمعنى داخل تعاريج أفقٍ ممتدٍّ عنوانه الباقي: الحرية.
الكركي رئيس مجمع اللغة العربية الأردني، يقيم، كعادته، توازناً خلاقاً بين الثقافة بصفتها هوية، وبين اللغة بصفتها هوية أيضاً، إنهما هويتا المبنى والمعنى، كما يرى، وكما تتنقل فصول كتابه الصادر قبل أيام عن دار جداول اللبنانية في 190 صفحة من القطع المتوسط.
بهاء الحرية وإشراق الموقف القومي «حين تعود بغداد وتهدأ دمشق»، هما ما يظل متمسكاً بانتظارهما الكركي، ليس الانتظار العبثي الذي ذهب إليه بيكيت مع شبحه (غودو)، ولكن الانتظار المؤمِّلُ في «جيلٍ جديدٍ من الشباب الواعي المثقف» هذا الجيل الذي انتقلت إليه أسئلة الهم ومسؤولية التغيير، بعدما رفعت القوى السياسية والاجتماعية التقليدية الراية البيضاء. إنه انتقالٌ راهن عليه من زمان صاحب كتاب «الرواية في الأردن»، منذ «بدايات القراءة عن الثورة وتعليم الحرية للمضطهدين».
الحرية والاستبداد، النور والظلام، القهر والثورة، ثنائيات وجدليات شكّلت جوهر وعي الكركي ومنتهى المعرفة لديه، بحدب عروبيّ قوميّ شفيف متين مكين، هذا ما قاله دائماً وهتف من أجله بالجموع الذاهبة إلى الوطن والندى والجنوب، وهذا ما تتجلى عناوينه في مختلف أبواب الكتاب.
يتصدى كتاب الكركيّ الجديد لعناوين لافتة فارقة: «نحن والآخر» عنوان الفصل الأول الذي يعاين المؤلف فيه «صورة الإنكليز في أدب أحمد فارس الشدياق».
وهو فصل طويل (74 صفحة) يتبوأ مساحة لافتة داخل الصفحات تزيد على ثلثها، وفيه يبحر داخل أسفار الشدياق وتفاصيل إقامته في مالطا التي ألّف حولها في العام 1866 كتابه «الواسطة في معرفة مالطا»، وكذا في انتقاله إلى بلاد الإنكليز مغادراً «الصخرة الدرنة» وهو الوصف الذي أطلقه الشدياق على مالطا بعد مكابداته هناك.
الفصل يلقي ضوءاً على فكر الشدياق، وإسهاماته في موضوع الهوية والأنا والآخر، ويروي قصة إسلامه ويستعرض آثاره التي استهلها الشدياق بكتابه «الساق على الساق»، ويصل في إبحاره داخل أمواج الشدياق حتى تخوم رؤيته حول تأصيل مسرح عربي.
في فصل الكتاب الثاني يبحث الكركي «المنهج والمصطلح في المحاولات العربية الأولى في الأدب المقارن»، والفصل هو بالأساس دراسة قدمها صاحب ديوان «مقام الياسمين» في الملتقى الأول للمقارنين العرب الذي نظمه في العام 1984 معهد اللغات والآداب في جامعة عنابة الجزائرية.
«الثقافة القومية والثقافة الدينية: صراع أم حوار» هو عنوان الفصل الثالث، حيث كان ألقى الكركي هذه الورقة ضمن فعاليات ندوة «التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة والقيم» التي أقيمت العام 2007 في الدوحة.
حملت باقي فصول الكتاب العناوين الآتية: الثقافة العربية واقع وتحديات، في الدولة والهوية والوحدة الوطنية، اللغة هوية الأمة.
وفي سابع فصول الكتاب وآخرها ينشر صاحب «حماسة الشهداء» كلمته أمام خريجي الجامعة الأردنية صيف 2011، وهي الكلمة التي حملت عنوان «وصايا الزمن الجديد»: وفيها يوصي الطلبة والآباء والأساتذة ونفسه وأبناء الوطن أجمعين، أن يتمسكوا بالحرية ويرفضوا مختلف أشكال التحكم والوصاية، وأن نعرف من نحن، وأن نمارس الوحدة حقيقة لا مجازاً، والنأي بالنفس عن كل ما يرضي الغَلَبة والاستعمار، وتجنب الشك غير المبني على أسس الواقع في شِرْكِ النقد السلبي والانتقاد المستمر، وأخيراً الإخلاص للعقل والمعرفة.
وهنا يختم الكركيّ قائلاً: «واعلموا أن زمانَكم وأوطانَكم «سَبُّورة عرضُها العُمْرُ» تمتد دونكم كي تَخُطُّوا عليها أفكاراً تخلِّصنا مما نحن فيه».الرأي