01-10-2015 03:41 PM
بقلم : محمـود الشـــيبي
الأردن هو نتاج الثورة العربية الكبرى، التي أطلقها الشريف الحسين بن علي من مكة المكرمة في 10 حزيران عام 1916، من أجل حرية العرب وإقامة دولة عربية واحدة موحدة تضم بلاد الشام والعراق. وقد كابد الشريف الحسين بن علي، وأبناؤه الغـر الميامين، كرّم الله مثواهم، من أجل مشروع نهضوي عربي، يضع الأمة العربية في مكانها الصحيح الذي يليق بها بين الشعوب. لكن الإنجليز تآمروا على أول ثورة عربية شريفة في القرن العشرين،ونقضوا وعودهم للشريف حسين وتمكنوا بالتعاون مع فرنسا بما سُمي اتفاقية سايكس – بيكو ، من إجهاض الثورة، ونـفْـي قائدها إلى قبرص.غير أنّ الأمير عبدالله بن الحسين رحمه الله تمكن بحكمته ودهائه من بناء إمارة شرق الأردن، التي أصبحت فيما بعد المملكة الأردنية الهاشمية، بعد أنْ كاد شرق الأردن أنْ يصبح جزء من دولة وعد بلفور، التي تكرّم بها البريطانيون على يهود العالم ليجتمعوا في فلسطين، ويقيموا لهم دولة اسرائيل. عانى الملك المؤسس كثيراً، من أجل الأردن، وكان كمن يسير بين الألغام، إلى أنْ مضى شهيداً على عتبات المسجد الأقصى في فلسطين. وقد خلفه الملك طلال باني الدستور الأردني الحديث، ثم آلت الأمور للملك حسين باني الأردن، وباني نهضته الحديثة.
تميز الملك حسين رحمه الله بالحكمة والعزم والحزم وبقوة الإرادة بما جعلة حالة نادرة بين حكام العالم. فمنذ تولى العرش وجد نفسه بين نـاريـن، نار اعتداءات الجيش الإسرائيلي المستمرة على القرى والبلدات الأردنية في الضفة الغربية، ونـار سيطرة الضباط الإنجليز بقيادة كلوب باشا على الجيش العربي الأردني، وهذا كان هــماً يلازمه مـذ كان طالباً في كلية سـاندهيرست في بريطانيا ، وقبل أنْ يتسلم سلطاته الدستورية. لذا وبعد أن اعتلى العرش عمل بنشاط وبسرية مطلقة على التخلص من الإنجليز، وتعريب الجيش. ففي عام 1956 أرسل الملك ســراً أحد ضباطه موفداً من قبله إلى الرئيس جمال عبد الناصر، ليستطلع رأيه في مدى استعداد مصر لمساندة الأردن عندما يقوم بتحرير الجيش من الأجنبي. أجابه عبدالناصر بعد تفاصيل مثيرة:" إنّــه حرصاً منه على الأردن وسلامته، لا يؤيد المصادمة مع بريطانيا قبل جلاء قواتها عن قناة السويس"، وأثنى عبدالناصر على أفكار الملك حسين التحررية، كما أثنى على الضباط الأردنيين، الذين يناصبون بريطانيا العداء. غير أنّ وطنية الحسين وطموحه طغيا على حسابات الربح والخسارة فـقـام بتاريخ 1/3/1956 بتعريب الجيش وطرد كلوب والضباط الإنجليز متجاوزاً كل المخاطر والعقبات، بالرغم من أنّ ميزانية الأردن بكاملها كانت تعتمد على المساعدات البريطانية .
في العام 1956 وجه الرئيس السوري شكري القوتلي دعوة للملك حسين لزيارة سوريا فلبّاها، واستقبلته دمشق استقبال الفاتحين حكومة وشعباً، حتى قال وزير الدفاع السوري إنّ شعبنا يحب الملك حسين فـقـد كـاد أنْ يحمله إلى القصر الجمهوري لتنصيبه ملكاً. وفي الأسبوع الأخير من أيار 1956 زار الرئيس السوري شكري القوتلي الأردن.
وفي يوم من أيام الزيارة طلب الزعيم ( العميد) شوكت شقير وأركان حربه، والأستاذ صلاح البيطار، وأحد زملائه الوزراء اللقاء برئيس أركان الجيش الأردني. في اللقاء طلب السوريون من رئيس الأركان الأردني، ان يطرح على الملك حسين مشروع وحدة بين سوريا والأردن، يكون الملك حسين فيها ملكاً مدى الحياة على الدولة الموحدة، معبرين عن إعجابهم به، واعتقادهم أن هذا المشروع يحقق أماني الأمة. وقد وجه رئيس الأركان الأردني لهم سؤالاً: هل يعلم فخامة الرئيس القوتلي بهذا الموضوع؟ كان جواب البيطار أن الرئيس لا يدري بالمشروع، لأنه بُحث بين الضباط في الجيش، وبين حزب البعث وعدد من السياسيين السوريين، وأن المشروع يحمل ضمانة نجاح كبير في سوريا إذا وافق الملك حسين. فإذا تمت الموافقة فإن الأمر سيوضح أمام الرئيس القوتلي كقرار سياسي وعسكري، تقتضي المصلحة القومية تنفيذه. ألـحّ السوريون على رئيس الأركان باستمزاج جلالة الملك. وقد جاء رد الملك حسين قائلاً: لا يمكن أن أدخل في موضوع يكتمه الوزراء والضباط السوريون على رئيس جمهوريتهم، لأنه يحمل معنى موافقتي على عمل لن يفسره أحد إلاّ بالتآمر على ضيفي. وقد أكد أكرم الحوراني لرئيس الأركان الأردني، أن الملك حسين لفت أنظار الكثيرين من السياسيين على مختلف اتجاهاتهم، والعسكريين أيضاً في عملية تحرير الجيش من القيادة البريطانية، واعتبروا عمله دليل شجاعة واستعداد للتضحية في سبيل الحرية. وقال: نحن نعرف امكانيات الأردن، ومن هنا نقدر حجم المخاطرة التي تحملها، ونرى فيه قائـداً ذا عزم وهمة، ومؤهلاً ليرأس دولة وحدة سورية أردنية. من هذا المنطلق فإننا بحثنا هذا الأمر مع قادة حزبنا وعدد من قادة الجيش، اعتقاداً منا بأن الشعب السوري سوف يتلقى المشروع بالقبول الكبير. لعلّ استقبال دمشق للملك حسين عندما زارها دليل كاف على تقدير الشعب السوري له.
وقـد عمل الحسين في كل اتجاه من أجل بناء الأردن في شتى المجالات، بما لا يخفى على أحـد. أما تفاصيل مواقف الحسين فمذهلة وتأخذ بالألباب، لكنها خـفـيّـة عن الشعب الأردني ، وعن شعبنا العربي في كافة أقطاره.
وللأسف فقد قصّر الإعلام الرسمي الأردني، وبخاصة التلفزيون الأردني، أنْ يُـخـرج هذه المواقف من مكامنها، ويقدمها للشعب العربي. وبها يُـقـدم تاريخ الحسين بالصورة النقية الطاهرة والعظيمة التي كان عليها الملك الباني.
في العام 1993 وجه الملك حسين لأن يقوم التلفزيون الأردني بإنتاج مسلسل عن الثورة العربية الكبرى، وكان سخياً في رصد المال اللازم للمسلسل. غير أن التلفزيون تقاعس، وعجز عن أداء مهمته الوطنية، فأنتج السوريون المسلسل باسم (إخوة التراب)،وفيه زيّـفـوا الحقائق، وشـوّهوا الأحداث، وتناسوا الدور الهاشمي، وتجاهلوا الشريف الحسين بن علي قائد الثورة.
وقـد تقدمت إلى التلفزيون الأردني بمشروع إنتاج سلسلة وثائقية في ثلاثين حلقة تتحدث عن حياة ومواقف الملك الباني. غير أننـي اصطدمت بعدم الرغبة ، فلماذا؟!. قال لي مسؤول: إننا في عهد غير ذاك العهد. وقال: إننا قد لا نحصل على الموافقة على إنتاجه من الجهات المعنية. علماً بأننا شكلنا لجنة من سـتة أشـخاص للأشراف على نـص البرنامج، إثنان من الوزراء السابقين ، وإثنان كانوا رؤساء جامعات أردنية رسمية، وإثنان من أصحاب الإختصاص.
ونقول للذين لا يعلمون أنّ النظام الأردني نظامٌ واحد، وعهـدٌ واحد متصل الحلقات. والثورة العربية الكبرى ما زالت قائمة، والأردن هو نتاجها، والجيش العربي هو جيشها، ولولا الثورة العربية الكبرى لما كان الأردن الحديث، ولكان جزء من وعد بلفور المشؤوم، ولولا عبدالله بن الحسين الملك المؤسس لما كان الملك الحسين الباني، ولولا الحسين بن طلال لما حكم الملك عبدالله الثاني الملك المـعـزز الذي يدين له الأردن بالكرامة والتقدم والإستقرار.