01-10-2015 03:48 PM
بقلم : رائد سليمان العزازمة
في اجتماع لسادة قريش في بداية ظهور الدعوة الإسلامية وعندما كان زعماء قريش يتداولون ويتناقشون في تحليل الأزمة التي يمرون بها جراء هذا الدين الجديد في مكة وفي مداخلة لأبي سفيان قال فيها أن محمدا يفسد علينا عبيدنا وسيفسد علينا حياتنا أيضا. كانت هند بنت عتبة قبل إسلامها حاضرة ومن أعضاء هذه الخلية المسئولة عن متابعة الأزمة والحالة الراهنة فهي سيدة ذات عقل ورأي فقالت للحاضرين وكانت نبرتها قوية تدل على الغيظ والاستهزاء يبدو أننا سنعلف ماشيتنا بأيدينا في العام القادم. وهذا كان دافعا قوي للسادة في اتخاذ قرارات مصيرية بعد ذلك لمحاولة التغلب على الوضع الراهن وإنهاء الأزمة مهما كان الثمن فمن غير المعقول أن يقوم السادة بعلف الماشية بعد أن يتمرد عليهم عبيدهم.
استوقفتني كثيرا هذه العبارة بما فيها من خيلاء وتجبر وتكبر واستعلاء فالبرغم من حالة العرب حينه وجهلهم وتخلفهم عن الروم وفارس وتبعيتهم المطلقة للغير استغرب أن يمتلكون كل هذا الجبروت والعنفوان وهذه حقيقة لا بد من الوقوف عندها وتحليلها لما فيها من أبعاد نفسية جعلت من هؤلاء العرب بعد ذلك نواة لدولة عظيمة كان لها حضارتها وثقافتها وامتدت على مساحات واسعة ووصلت أقصى الشرق حتى وصلت الهند والصين وأوروبا بعد ذلك.
أبعاد هذه المقولة عابرة للتاريخ والزمن فمن يعتبرون أنفسهم سادة في هذا الزمان لم يختلف فكرهم كثيرا عن قريش ويرون أنهم أصحاب حق في استعباد الناس حتى يضمنون البقاء في منزلة لا يمكن التنازل عنها حتى لو كان الثمن باهظا فالسيادة والمكانة المرموقة تحتاج إلى الكثير من الأساليب و الطرق الدنيئة والظالمة اللازمة لاتخاذها بحق من يعتبرونهم عبيدا بحسب تفكيرهم لاستمرار سيادتهم .
هناك أي في مكة وجزيرة العرب تغير الحال إلى الأحسن ودخلت قريش في الإسلام وتحول أبناؤها إلى قادة عظام وأبطال يذكرهم التاريخ ويتغنى بهم وتغير الفكر من قبلي عصبي ظالم يقوم على تحقيق المصالح الذاتية الآنية إلى فكر شمولي عالمي ذا أفق نير يحمل مشروع امة إلى العالم اجمع وهنا الفارق بين الماضي والحاضر بالنسبة لنا كأمة عربية وإسلامية فتراجعنا وانحطاطنا وما نحن فيه من تبعية الآن ينبع من فكر السيادة والتملك والبقاء في الحكم حتى لو كان الثمن فناء الشعب وتدمير المنجزات ومسح الحضارة فإما أنا او لا احد وهذا ما استطاع أن يتغلب العرب حينها ليتمكنوا بعدها من قيادة العالم لعدة قرون لاحقة.
يا سادتنا هلكت الماشية وضاعت الأوطان وانتهكت الحرمات وأريقت الدماء آما أن الآوان لتغيير الفكر لنخرج من هذه الحالة التي وصلنا إليها ؟؟؟ الم يحن الوقت للتخلص من عقدة الاستعلاء والتجبر والبقاء ؟؟؟ أم أن عقلية من سيعلف لنا ماشيتنا ما زالت عنوان سياسة حكم لا يمكن التخلص منها أودت بنا إلى الحضيض حتى أصبحت امة العرب لا وزن لها ولا قيمة بين الأمم في هذا الزمن ؟؟؟.
النهوض بالأمة يحتاج إلى مشروع يشترك فيه الجميع حكاما ومحكومين يكون حاضنته الشعب خلف قادة عظام يعرفون ماذا يفعلون والى أين يتجهون في ظل هذه الضبابية التي تسود العالم. أصحاب رؤية ثاقبة لا يضرهم من خالفهم وبغير ذلك فنحن بانحدار مستمر ولا امل في التغيير.