بقلم : د. سعود فلاح الحربي
اثيرت مؤخرا من قبل البعض مسألة عدم تحقيق "المباشرة" في القائمة النسبية عند اعتمادها في الانتخابات النيابية والواردة في نص المادة 67 من الدستور الاردني "يتألف مجلس النواب من اعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفاقا لقانون الانتخاب" بمعنى ان اعتماد نظام القائمة النسبية لا يعد انتخابا مباشرا وبالتالي تكون مخالفة دستورية لنص المادة اعلاه, وقبل الحديث عن هذه المسألة لا بد من التأصيل لها وتوضيح المقصود بالانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر في الفقه الدستوري, وقبل ذلك ارجو ان لا يفهم اني من المدافعين او المؤيدين لمشروع قانون الانتخاب الجديد وقد طرحنا في مداخلة نظاما بديلا عن القائمة النسبية امام اللجنة القانونية لمجلس النواب عند زيارتها لمحافظة المفرق يتمثل بايجاد نظام انتخابي مختلط يجمع ما بين نظام الاغلبية الفردية ونظام التمثيل النسبي (القائمة النسبية), ومن وجهة نظر متواضعه ان الاخذ بنظام التمثيل النسبي بالكلية ستكون له نتائج اسوء من قانون الصوت الواحد لعدة اسباب لا مجال لذكرها هنا.
وعوداً على مسألة التأصيل, فالانتخاب المباشر يقصد به انتخاب المرشح من قبل الناخب بشكل مباشر وبمرحلة واحدة على درجة واحدة ولا تعني المباشرة البتة ان يكون الانتخاب شخصيا او فرديا والقول بهذا يعوزه الدليل بل هو طريقة يختار فيها الناخب مرشحين مرة واحدة على درجة واحدة يرتب اثرا وهو فوز مرشحين واخفاق اخرين حال الانتهاء من عملية فرز نتائج الانتخاب, اما الانتخاب غير المباشر فهو ممارسة الناخب لحقه في الاقتراع باختيار اشخاص او هيئة معينة ومن ثم تقوم هذه الهيئة بانتخاب المرشحين اي يكون الانتخاب هنا على درجتين ( راجع: أ.د نعمان الخطيب, الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري, دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمان, الطبعة الثامنة, 2012, ص 316.) وفي علاقة يمكن تكيفها بالوكالة القانونية بمعنى ان الناخب وكّل اشخاص لمهمة اختيار مرشحين اخرين نيابة عنه في وقت لاحق, وتنتهي هذه الوكالة او دور الهيئة المنتخبة بمجرد ممارسة حقها باختيار مرشحين اخرين, وهذا ما لا يتحقق في نظام القائمة النسبية, والتطبق العملي للانتخاب غير المباشر انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية وانتخابات الرئاسة الامريكية, حيث يقوم الناخب اللبناني بانتخاب مجلس النواب بشكل مباشر ومجلس النواب ينتخب رئيس الجمهورية وبذلك يكون الناخب اللبناني قد انتخب رئيس الجمهورية انتخابا غير مباشر على درجتين مع ملاحظة ان الوكالة التي اشرنا اليها سابقا تبقى قائمة في الحالة اللبنانية طيلة فترة المجلس النيابي, كذلك يقوم الناخب الامريكي بانتخاب ما يسمى بهيئة كبار الناخبين وهذه الهيئة تجتمع في وقت لاحق وتنتخب رئيس الولايات المتحدة الامريكية وبذلك يكون الناخب الامريكي قد انتخب الرئيس بطريقة غير مباشرة.
وعودة للحالة الاردنية وحول ما أثير مؤخرا من قبل البعض من ان القائمة النسبية التي اعتمدها مشروع قانون انتخاب 2015 تخالف نص المادة الدستورية المشار اليها بداية المقال؛ لانها تعد انتخاب غير مباشر خلافا لنص المادة 67 من الدستور الاردني التي اشارت بشكل صريح على المباشرة في الانتخابات النيابية, وبعد التأصيل السابق واسقاطه على الحالة الاردنية نقول: لا بد من التفريق بين حالتين من حالات القوائم النسبية هما القائمة النسبية المغلقة والقائمة النسبية الحرة من جهة والقائمة النسبية المفتوحة من جهة اخرى, ففي القائمة النسبية المغلقة يتم فقط انتخاب الناخب لقائمة بشكل مباشر لكن ارادته الصريحة لا تنصرف في اختيار الاشخاص المتألفة منهم القائمة, وهنا تثار شبهة المباشرة من عدمها وقد يقول قائل ان الناخب في هذه الحالة قد انتخب القائمة والقائمة هي من تولت اختيار الفائزين منها مسبقا عند ترتيب اسماء مرشيحها ضمن القائمة, مشيرا الى ان الطريقة التي تمت هنا غير مباشرة, وحتى مع هذه الحالة لا يمكن الجزم بأن الانتخاب هنا قد تم بطريقة غير مباشرة اي مخالفة للدستور, وينطبق هذا على القوائم النسبية الحرة مع فارق بسيط ان ارادة الناخب اتجهت لمرشحين قد يكونوا من القائمة التي اختارها او من القوائم الاخرى, اما القائمة النسبية المفتوحة التي اعتمدها مشروع القانون فان ارادة الناخب الصريحة قد اتجهت لانتخاب القائمة والاشخاص المتألفة منهم وبذلك تتحقق المباشرة بالانتخاب كما اصلنا لها سابقا, واعتقد ان من اختار القائمة النسبية المفتوحة لمشروع القانون الجديد كانت المادة الدستورية المتعلقة بالمباشرة في الانتخاب حاضرة في ذهنة, لذلك استبعد القوائم المغلقة وكذلك القوائم الحرة من نظام التمثيل النسبي واعتمد القوائم النسبية المفتوحة لتحقيقها المباشرة في الانتخابات النيابية بصورة اوضح من القوائم الاخرى, وعلى كل الاحوال لا بد من تفسير المادة الدستورية من قبل المحكمة الدستورية قبل اقرار القانون تلافيا لاي مخالفات دستورية مستقبلا.


Dr.saudalharbi@yahoo.com