12-10-2015 09:31 AM
سرايا - سرايا - أصدرت مؤسّسة الفكر العربي ضمن سلسلة برنامج «حضارة واحدة» كتاباً جديداً مُترجَماً هذه المرّة عن اللغة الإسبانية بعنوان «أوروبا الإسلامية سحرُ حضارةٍ ألفيّة»، من ترجمة الدكتورة ناديا شعبان..
الكتاب الذي صدر بالإسبانية في نهاية العام 1991، جاء أساساً في إطار الاحتفال بالذكرى المئوية الخامسة لسقوط غرناطة (1492م)، آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية.
إلّا أن مؤلِّفَيْه وهما المستعرب الإسباني البروفيسور بيدرو مارتينيث مونتابيث، أستاذ شرف في جامعة مدريد ورئيس سابق لها، والمستعربة الإسبانية البروفيسورة كارمن رويث برافو، أستاذة في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد، آثرا الإبقاء على نصّه الأساسي كما نُشِر في ذلك التاريخ، ومن دون أيّ تعديلٍ في مضمونه، وذلك على الرغم من التحوّلات الكبيرة التي شهدها العالم منذ العام 1991.
جال الكتاب بفصوله الخمسة («تاريخ ألف عام»، «هندسيّة معماريّة ومدن»، «فنون وتقنيات زخرفيّة»، «الحياة اليوميّة»، «في الفنّ والأدب») في ثنايا تاريخٍ عريق، نجح الإسلام فيه خلال أكثر من قرن واحد بقليل تقريباً- منذ الثلث الأول للقرن السابع الميلادي وحتّى أواسط القرن الثامن- في الانتشار على امتداد مناطق شاسعة جداً ومختلفة ومتعدّدة، شملت معظم شبه الجزيرة الأندلسيّة، وقسماً مهمّاً من فرنسا، أو الأرض الكبيرة، كما سمّاها قدماء المسلمين.
بانوراما الفنّ الإسلاميّ المعماري
في تجواله بين مدن قرطبة، وغرناطة، وطليطلة، وإشبيلية، وبالـيـرمـو... ومدن غير إسبانية، كإسطنبول، فضلاً عن تصويره فنّ الـزخرفـة الإسلاميّة ووظيفتها وعـالـَم السجّاد والكتاب والمعادن وصولاً إلى عالم الأدب، انصبّ همّ الكتاب على تلمّس الإرث الحضاري الإسلامي في تعبيراته المادية وغير الماديّة، التي تتجلّى في الفضاء التاريخيّ الفعليّ كما في الفضاء التخيّلي. ولعلّ اللافت من خلال استعراض المكانة التي احتلّها الإرث الحضاري الإسلامي في إسبانيا- شبه الجزيرة الإيبيريّة- في هذا الإطار، هو تتبّع الإيقاع الإنساني والروحي لتلك العلاقة. هذا الإيقاع الذي كان له دور السحر، لكن من دون أن يَلقى الاهتمام الكافي من قبل المؤرّخين أو غيرهم، على الرغم من تأثيره الفاعل في أوروبا حتّى بعد ألف عام.
ولا بدّ قبل كلّ شيء من القول بأنّ الفنّ الإسلامي شغل حيّزاً كبيراً في الكتاب، فترصّد المؤلِّفان إسلامية هذا الفنّ بدءاً من الهند وصولاً إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، ومن القرن العاشر وصولاً إلى القرن العشرين. غير أن قيمة هذا الحيّز تكمن في الجهد المنصَبّ على تبيان النماذج المختلفة للفنّ الإسلامي.
رصد الكتاب ثلاثة نماذج رئيسة للمباني الدينية الإسلامية هي: «الردهة» ذات الأعمدة والباحة الكبيرة، بوصفها أنموذجاً خاصّاً بالإسلام الكلاسيكي العربي؛ «الإيوان»، وهو حيّزٌ كبير، مربّع الشكل ومغلق من جهات ثلاث، ومفتوح من الجهة الرابعة، ومقبَّب، وذلك بوصفه إسهاماً فارسيّاً في فنّ الهندسة المعمارية أساساً، وكان السلاجقة بخاصّة قد شيّدوا مبانيهم على مثاله، فضلاً عن المنغوليّين والتيموريّين. الأنموذج الثالث، يجسِّده حيّز مركزي، تسقفه قباب كبيرة، وتجاوره مساحات أخرى صغيرة في الغالب، مسقوفة على النحو ذاته، وذلك وفقاً للأنموذج المميّز للهندسة المعمارية العثمانية.
في التفاعل الثقافي والروحي
في سياق توصيف التفاعل الثقافي بين ما هو إسلامي، وما هو أوروبي، في شبه الجزيرة الإيبيرية، تطرّق الكتاب إلى مختلف أشكال العناصر الثقافيّة تلك، من فنّ، ومأكل، وملبس، وطقوس، وعادات، وصولاً إلى الأدب:» فالمسلم، في المدى الإيبيري، يظلّ هو «الآخر» الأكثر قرباً من الإيبيريين، يشاركهم حياتهم اليومية والدنيوية، بصرف النظر عن أيّ شعور أو اعتبار آخر. وهذا ما يتيح لهم مبدئياً، خيارات أخرى، لمعرفته بطريقة أفضل وأكثر منطقية. ويظهر تأثير هذه المعرفة في السمات الرئيسة، غير القابلة للتغيير، والتي ميَّزت العلاقة الثقافية الإسبانية-العربية في تلك العصور؛ وهي سمات فريدةٌ ومتميّزة، مقارنةً بظواهر ذات طبيعة مماثلة، نشأت في أيّ بلد أوروبي آخر».
نحو حوارٍ إنساني
لئن كان الإسلام قد شكّل بالنسبة إلى أوروبا المسيحية ذاك الـ»آخر»، فإن أهمّية كتاب «أوروبا الإسلامية- سحرُ حضارة ألفيّة» تُكمن ليس في إطلالته البانوراميّة اللمّاحة على التراث الفنّي الإسلامي العظيم الباقي في أوروبا فحسب، بل في تطوافه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، في ثنايا تراث قادم من مناشئ إسلامية بعيدة أيضاً، خلّفه الإسلام في بلدان أوروبيّة عدّة.
وبالتالي عدم اقتصار هذا التطواف على مجموعات النصب الآثارية التذكارية المهمّة؛ ومواكبته كذلك الفنون التي جسّدت اندماج الفنّ الإسلامي بالفنون الأوروبية، ولاسيّما في مجال الهندسة المعمارية الأندلسية، التي انتقلت إلى الغرب المسيحي وتوطّنت هناك.
غير أن الإضافة القيّمة للكتاب تكمن في محاولات إظهار كيف أن أوروبا لم تعرف إسلاماً واحداً بقدر ما لم يعرف الإسلام أيضاً أوروبا واحدة. وهو ما يمثّل خروجاً عن النظرة الاستشراقيّة أو العدائيّة للآخر.