بقلم :
أول عمليه عنف عرفتها البشرية هي حينما قتل أبانا( قابيل )عمنا (هابيل ) , ثم سادت في المجتمع الإنساني البدائي شريعة الغاب,حيث غريزة التملك والبقاء للأقوى و التي استمرت لعصور طويلة , قبل آن يتعرف الإنسان على القانون والتشريع والدولة ,عن طريق الرسل والأنبياء والحكماء والفلاسفة والمصلحين, ولكن ظواهر العنف بقيت ولم يخل منها أي مجتمع على المستوى الفردي أو الجماعي , سواء كان ذلك بدوافع شخصية من ثأر أو انتقام أو رغبة في إشباع غريزة كسب أو جنس بطريق غير مشروع، أم كان ذلك بدوافع سياسية أو دينية أو على الأغلب لأسباب اقتصادية بحتة ............. يعرف العنف على أنه استعراض للقوة والعدوانية، صادر عن طرف قد يكون (فرداً أو جماعةً أو دولة)، وموجّه ضد الطرف الآخر بهدف إخضاعه واستغلاله والتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية له، فتسود الكراهية والعداء بين الطرفين المتقاتلين بدافع الثأر واسترجاع الحقوق المغتصبة , فيستمر بينهما العنف المتبادل......... والعنف عادة ما يبدأ بالغضب بعد أن تتملك الإنسان مشاعر الحقد والكراهية,وتكون علاماته واضحة ,شد في العضلات,وازدياد في ضربات القلب,و تغير في التنفس واحمرا للوجه ,وارتعاش في الجسم,و تخبط في الحركات,و قد يبدأ لفظيا مباشرا في استخدام ألفاظ بذيئة أو جارحة, وارتفاع في نبرة الصوت والصراخ, والصخب, آو عنف مادي و جسدي يبدأ بالضرب و تبادل اللكمات والاشتباك, و استخدام الهراوات و الأسلحة لإحداث اكبر قدر من الإيذاء للخصم.......... آما عن ازدياد ظواهر العنف, آلتي تجتاح مجتمعنا الأردني فهي متمثلة بقله الصبر والغضب النرفزه والتوتر والشجار لأتفه الأسباب,وآلتي تتسبب بمشاكل وخلافات بدأت تتعقد وتتفاقم وتتطور, نشاهدها ونسمع عنها وعن أثارها في كل مكان في المدينة والقرية ,في البيت , والجامعة والمدرسة ,والمستشفى ,والملاعب والمدرجات, والسجون , والاعتداء على رجال الآمن وضربهم وطعنهم وهم يقومون بواجبهم و المساس بأملاك الدولة والناس, وحتى في مجلس النواب الذي وصل إلى ضرب بعضهم بعضا وضرب الصحفيين, والمشاكل بين العشائر المختلفة في الأماكن المختلفة , لأسباب مختلفة بعضها على خلفيات انتخابية واكبها عنف في بعض الأماكن أدى إلى وقوع إصابات وإحراق وتدمير ممتلكات خاصة وعامه , وعنف أسبابه عرقيه آو دينيه آو مناطقية آو جهوية آو إقليميه واستفحال الجريمة بكافه أنواعها وازدياد حالات القتل والسرقة والسلب والنهب والسطو المسلح , ومشاكل فرديه تصبح عشائرية بسبب النصب والاحتيال وحتى السواقة بتهور وطيش مؤدي إلى القتل , فهذه الظواهر تشير إلى تحولات اجتماعيه غريبة وخطيرة , وتشكل عودة إلى الخلف , وتصبح أسبابها ومسبباتها مختلفة ومتنوعة, نتيجة التغيرات الكثيرة التي حدثت وما زالت تحدث في مجتمعنا .......... قد تكون من الدوافع الرئيسية لثقافة العنف هي بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة كالفقر والبطالة بين الشباب وآلتي تؤدي إلى تمردهم وانحرافهم , و تعاطيهم المسكرات والمخدرات , وإلى ظهور طوائف من الزعران وفتوات الأحياء, بسبب فقدان الأمل في إيجاد فرصة عمل مناسبة ,وآلتي تفاقمت ربما بسبب سيرنا في قطار العولمه واقتصاد السوق وما رافقه من خصخصة أدت إلى تراكم الثروات في أيدي قلة قليلة والتسبب في اتساع الفجوة مع الأغلبية من الفقراء و انتشار ثقافة الاستهلاك وعدم تكافؤ الفرص بين الجميع........... وقد تكون دوافع العنف نفسيه لا إرادية تنفجر تلقائيا للتحرر من مشاعر الغضب والإحباط ووسيلة للتعبير واثبات الذات,بسبب الفراغ والجمود السياسي والفكري,وانسداد قنوات التعبير و الحوار,والفجوة الهائلة بين درجه الوعي والحركة السياسية, آلتي تتسع يوما بعد يوم وتهدد دائما باحتمالات خطيرة, بحيث لا تنفع المحاولات السطحية للتغيير الشكلي دون الجوهر والمضمون......... و قد يكون الدافع عدم الاستماع للأصوات المنادية بالإصلاح أو التغيير وعدم الاستجابة للمطالب الشعبية,وانتشار الفساد بشكل كبير , بحيث اصبح من الصعب السيطرة عليه , و المعاناة يومية يعيشها المواطنين بحثا عن حقوقهم وإحساسهم بالظلم , واكتفاء الدولة بالضبط الأمني(دون السياسي والاجتماعي والاقتصادي) وعدم وضع سياسات إصلاحية حقيقية,والفشل في خلق وإيجاد تربية وطنية ثقافية عن طريق التعليم ومؤسسات المجتمع والإعلام والمساجد تؤثر على سلوك الناس وتصرفاتهم ........... وقد يتولد العنف نتيجة لأسباب سياسية دينيه وقوميه , وشعور الناس بالإحباط نتيجة إحساسهم بجرح الكرامة الإسلامية والعربية بسبب القهر العالمي والأمريكي والإسرائيلي من خلال احتلال فلسطين وأفغانستان والعراق ,و اطروحات الشرق الأوسط الجديد والوطن البديل, وعدم استطاعة الحكومات العربية الإنفكاك من التبعية للغرب بوجه عام ولأمريكا بوجه خاص, وهذا بحد ذاته يثير الحنق و الغضب والعنف ......... وقد تكون هنالك أسباب أخرى للعنف مثل ضر يبه تقليدنا لمظاهر الحضارة الغربية والأمريكية, والتأثر بوسائل إعلامها ,خاصة البرامج والأفلام ووسائل الترفيه والتسلية مثل ألعاب الفيديو و القصص و الكتب التعليمية التي تحرض على العنف والجريمة , وما يرافقها من تلوث فكري وثقافي وسمعي وبصري وآلتي تعمل على زرع مفاهيم أخلاقية واجتماعيه وثقافية غريبة عما ألفناه من تراثنا العربي والإسلامي ......... وربما من دوافع العنف هو بسبب تراجع الدولة عن دورها الأبوي الإنتاجي والخدماتي والاجتماعي, مما يفقد الناس ثقتهم بدولتهم وولايتها العامة ويقل اقتناعهم بها والولاء والانتماء لها , ويعودون إلى القبلية والعشائرية والعائلة طلبا للحماية , ولأخذ الحق باليد بدلا من الاحتكام إلى القانون, الذي تتراجع سلطته وسيادته بسبب التهاون مع المتجاوزين وغياب أسس العدالة , بسبب تنازل الدولة عن دورها في مواجهة أشكال العنف لحساب الزعامات العشائرية و المناطقية (شيوخ ووجهاء ومخاتير ) والتي تتدخل لتسوية النزاعات بشكل ودي على شكل حلول توافقية وصلحات عشائرية خارج الأطر الشرعية للدولة,وهي في اغلبها أصبحت قيادات ووجاهات جديده (هجينه ..شيوخ سوبر ) ضمن أسس جديده بعضهم لبس ثوبا وعباءة ورغب بأن يصبح شيخا بعد تقاعده من وظيفة متقدمة في الدولة أو نتيجة امتلاكه المال, عن طريق التجارة أو بيع الأراضي أو السمسرة أو الفهلوة والشطارة (هذه الوجاهات طبعا فيها الكثير من الخيرين الذين اثبتوا وجودهم) ولكن بعضهم الأخر ماضية معروف وليس له دراية أو علم بالأعراف والعادات والتقاليد العشائرية الحقيقية المحترمة, وهو مهما امتلك فهو مكشوف ولا يتمتع بالاحترام بين الناس ولا حتى بين أفراد عشيرته الاقربين ,فهو ينظر إلى الناس من عل ,ويصدر الأوامر كأنه مازال في موقعه أو يساوم كأنه يمارس تجارته, ويستغل حاجه الملهوف والمنكوب ويبتزه ,وبعضهم يستخدمون ما يتمتعون به من ذكاء و ما توصلوا إليه من علم في تأجيج النعرات والنزاعات والخلافات مستغلين ما في العشائرية من عصبية سلبية وموظفين لها ومستفيدين منها في سبيل تحقيق مأربهم الخاصة , في الوصول إلى منصب أو وظيفة أو مصلحه ...... بعكس الزعامات العشائرية التاريخية التقليدية, التي كانت تحكم بالمنطق الأخلاقي المحترم ,عندما كان المجتمع مسالما يتسم بالطيبة و التسامح, و كان الصغير فيه يحترم الكبير ويطيعه, ضمن الآسرة الكبيرة الممتدة كالعائلات والعشائر , والذي نادرا ما كانت تحدث فيه خلافات ونزاعات , فإذا حدثت فهي غالبا ما تكون أسبابها واضحة وغير معقدة ,كالخلافات على الماء والمرعى , وإذا كانت هذه الخلافات بسيطة , فهي تحل فورا بتدخل وجوه الخير والعقلاء من الطرفين المتنازعين , وإذا كانت هذه الخلافات كبيرة وكبيرة جدا, يتم حلها , عن طريق الأعراف والتقاليد والعادات العشائرية الحميدة المتبعة والمتعارف عليها ,والتي لها قوة القانون ويلتزم الجميع بها ويحترمونها , تدار من قبل شخصيات محليه محترمة من الوجهاء وشيوخ العشائر التقليديين الطيبين الذين بالإضافة إلى قوة عشائرهم وطاعتها لهم , فقد كانوا يفرضون احترامهم على الناس بما كانوا يتسمون به من الحكمة والحلم و سعه الصدر وبعد النظر والسلوك النبيل وحب الخير , و بمكارم الأخلاق والقيم العربية والإسلامية النبيلة التي يحافظون عليها . والذين اكتسبوا خبراتهم من المجالس قبل أن تكون هناك مدارس ,ولم يكن أكثرهم من الأغنياء بل هم اقرب إلى طبقه الفقراء, نتيجة للبذل والعطاء وبسط اليد والكرم وطيبه النفس وعمل الخير , فلم يكن امتلاك المال هو المقياس,ولكن هذه الطبقة من الوجهاء والشيوخ التقليديين,بدأت تتناقص بشكل كبير(الكبار ماتوا)....... لذلك وفي سبيل حل مشكله العنف الذي يواجه المجتمع نحتاج إلى مراجعة شاملة تعتمد على القانون فقط وفرض هيبته في دولة المؤسسات ,كأساس لمواجه مظاهر العنف ,فلابد من استحداث التشريعات وسن القوانين والنظم الرادعة الكفيلة بتصويب المسيرة , ووضع الخطط والحلول الإصلاحية الحقيقية الجادة الضرورية التي تكفل ذلك ,في سبيل التخلص من ظواهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي والإداري والاقتصادي بكافة أشكاله وألوانه وصوره , و شيوع وغلبة عدد كبير من القيم السلبية مثل الفهلوة والانتهازية والنصب والاحتيال والكذب ومحاولة الكسب السريع بغير جهد والرشوة والمحسوبية, والظلم الاجتماعي, ولابد من المشاركة الشعبية آلتي هي من أهم مقومات الديموقراطية الحقيقية , من اجل إشاعة قيم التسامح والصدق والعدل والرحمة وغيرها من الأخلاقيات,والابتعاد عن الاستفزاز الإعلامي والاستهلاكي والأخلاقي في مجتمع فقير ومتدين, و إعطاء الفرص المتكافئة لكافة الأطياف الشعبية السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية للتعبير عن نفسها بحرية دون حجر أو وصاية أو إلغاء أو استبعاد....... فالحديث عن ظاهرة العنف وعن تطوره وتنوعه وتعقيداته وتعدد أسبابه ومسبباته وظروفه, وأثاره على الفرد والمجتمع ,يصبح ضرورة وطنيه سياسية واجتماعيه ملحه لابد منها, وهذه دعوة لعلماء الدين والاجتماع والنفس والنواب والمثقفين ورجالات الدولة وكل مخلص ويهمه الأمر , تداول هذه المشكلة وتدارسها في محاولة لإيجاد الحلول المناسبة الكفيلة بالقضاء عليها .......