19-10-2015 05:36 PM
بقلم : محمد القصاص
صراع الزعامات قضية عرفت منذ فجر التاريخ ، في أوساط المجتمع الإنساني ، حتى أن تلك الصراعات كانت في كثير من الأحيان دموية إلى الحد الذي لا يطاق ..
أما الصراعات التي سبقت ظهور الإسلام في بلدان مختلفة من العالم ، فلا مجال للمرور عليها من خلال هذا المقال ...
حيث يهدف هذا المقال وللضرورة ، الصراعات التي نشأت وتنشأ في عالمنا العربي بين حين وحين .. والتي تحصدُ الملايين من أرواح أبناء الشعوب في كثير من الأحيان وتشرد الملايين ، وتدمر الحضارات وتقضي على مستقبل الأمة ، والأمثلة الحية في أيامنا هذه هي أكبر شاهد على بشاعة تلك الصراعات .
لكن الصراعات على الزعامة أو الكرسي ، وهما وجهان (لعملة واحدة) ، في عالمنا العربي كان أمرا مختلفا ، ولعل من يتصفح خارطة الأحوال السياسية في عالمنا العربي والإسلامي بالذات ، منذ أن شع نور الإسلام وألقى بظلاله على معظم أصقاع الجزيرة العربية في زمن قياسي وجيز حتى يومنا هذا ، حيث بدأت الصراعات الدموية على الزعامة تنشأ بين أبناء الأمة الواحدة منذ ذلك الحين ، وما زلنا نذكر بأن أولى تلك الصراعات قد ابتدأت في عهد الخلفاء الراشدين (رضوان الله) عليهم ، وهم الذين كانوا يمثلون مشعل الإسلام ، وجذوة الحق التي أشرق نورها ليعم الجزيرة العربية برمتها ، حيث انطلقت رسالة النبوة ، وهي رسالة عمَّ نورها كل بقعة من بقاع الدنيا في زمن قصير .
ولا أحسب أن أحدا منا قد أغفل تلك الأحداث المؤسفة في تاريخنا الإسلامي أو نسيها ، وقد نتج عنها مقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ، رضي الله عنهم جميعا ..
فالذي قتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – هو غلام مجوسي اسمه فيروز ويكنّى بأبي لؤلؤة، فقد قام بطعن أمير المؤمنين عمر أثناء تأديته الصلاة ثلاث طعنات بخنجر مسموم، ثم جعل يطعن كل من اقترب منه حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً من المسلمين، مات منهم سبعة, فألقى عليه أحدهم ثوباً، ولما رأى أبو لؤلؤة أنه قد تقيّد ووقع في الأسر قتل نفسه بخنجره.
واللذان قتلا عثمان بن عفان - رضي الله عنه- هما: (عبد الرحمن بن عديس وكنانة بن بشر) وكان ذلك في منزل عثمان في المدينة المنوّرة سنة 35 للهـجرة .
والذي قتل علي بن أبى طالب - رضي الله عنه - هو "عبد الرحمن بن ملجم" وكان ذلك في مدينة الكوفة في شهر رمضان سنة 40 للهـجرة .
لا أعلم إن كان جهابذة الأمة وهم الخلفاء الذين جاءوا بعد رسولنا الكريم ، ليتمموا نشر رسالة الإسلام السمح ، لكي تعم الدنيا كلها ، قلت : لا أعلم إن كان هؤلاء الرجال حريصون على الزعامة كحرص زعماء العالم العربي في هذه الأيام ، وكثير منهم زعماء لا يحسنون القيادة ولا يمكنهم أن يروا الرأي الصواب حتى لأنفسهم ، وفي بيوتهم .. ولقد يصل الباحث عن عورات بعض أولئك الزعماء والرؤساء بالذات إلى نتائج مخزية ، وحقائق يندى لها الجبين .
إن كثيرا من قصور الزعماء العرب ليست إلا أوكارا للخنا والبغي والفساد ، ولا تأخذهم بأبناء شعوبهم إلا ولا ذمة .. وقد يخجل المرء من أن يذكر قصصا غريبة ومثيرة من التعسف والاستبداد التي كان يتبعها أولئك الرؤساء ضدَّ المعارضين لحكمهم الإجرامي وجبروتهم وطغيانهم . لأنهم يريدون شعبا لا يرفع رأسه ولا ينبس ببنت شفة ، يريدون شعوبا تساق كما تساق البهائم إلى الحقول ..
نعم .. إن التاريخ العربي الأسود ، الذي أعقب انهيار الدولة العثمانية ، مليء بالمتناقضات ، ومليء بالإجرام ، تاريخ صفحاته سوداء قاتمة ، لا تتحدث إلا عن الانقلابات الدموية والقتل والسجن والاعتقال والتعذيب في سجون أعدت بعناية لأبناء هذه الأمة من الرجال الأحرار، الذين باعوا أرواحهم في سبيل الحرية ..
أنا لست ضدَّ محاسبة أي إنسان يقحم نفسه بخيانة وطنه ، أو يتورط بالتخابر مع الأعداء من أجل أن يحصل على حفنة من المال .. كما هو حاصل في أيامنا هذه ، ولكني بالتأكيد وربما شاركني كثير من الناس هذا الرأي ، ضدَّ أن يسعى بعض الزعماء إلى استخدام القوة ، أو الانقلابات الدموية من أجل الوصول إلى السلطة والكرسي على جماجم الشرفاء من أبناء الشعب الواحد ..
ولا شك أنَّ من يتصفح تاريخنا العربي المشئوم ، يدرك بأن الحكم بمعظم الجمهوريات العربية ، قام على البطش والقوة ، فكانت حافلة بالانقلابات الدموية ، حيث قدم أرباب تلك الانقلابات القرابين والتضحيات من دماء الشعوب ، كل ذلك من أجل الوصول إلى الكرسي والزعامة ، ثم لا يلبثون أن يوطدوا دعائم حكمهم على حفنة من العملاء والخونة ممن يسعون دائما إلى خراب الأوطان ، مقلدين بذلك نظرية زعمائهم الذين وصلوا لمواقعهم بنفس الأسلوب والطريقة ..
سوريا الأحرار .. كانت منذ نيلها استقلالها بمناسبتين ، أعلن فيهما سوريا مستقلة ، حيث أن استقلال سوريا في تاريخنا الحديث. الأول من قبل المؤتمر السوري العام ، يوم 8 مارس 1920 بُعيد سقوط الدولة العثمانية، وتمت خلالها مبايعة فيصل بن الحسين ملكًا وإعلان المملكة السورية العربية بشكل رسمي . والثانية، تمت يوم 28 سبتمبر 1941 بعد استعادة الحلفاء سيطرتهم على سوريا خلال الحرب العالمية الثانية، وأعلن في إثرها تاج الدين الحسني "كأول رئيس لسوريا المستقلة". خلافًا للاستقلال الأول، لكن هذا الاستقلال الثاني استقبل ببرود في سوريا، لاسيّما مع استمرار هيمنة كبيرة من قبل الأجهزة التابعة للمفوضية الفرنسية وقد صرّح رجال المفوضية "بعدم وجود أية نية لتغير فعلي قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية". لا يعتبر إعلان الاستقلال عطلة رسمية أو اليوم الوطني لسوريا، بل إن تمام جلاء القوات الفرنسية عن سوريا، بُعَيْدَ انتفاضة الاستقلال في 17 أبريل 1946، يعتبر عيد الجلاء واليوم الوطني السوري.
سوريا ، استمرت منذ الاستقلال ، بترديها وغرقها في مستنقع الانقلابات الدموية ، وظلت مسرحا للعمليات العسكرية التي تعقب عادة كل انقلاب بما يصاحبه من تصفيات وقتل وإجرام بحق الساسة والقامات الوطنية الشامخة من رجالات الشعب السوري المخلصين ، وما ذلك إلا ليصفو الجو للخونة والعملاء والمرتزقة الذين يزحفون ، ويعبرون إلى الكرسي فوق جماجم الشرفاء ..
وما أن يستقر الحاكم منهم فوق الكرسي ، حتى تبدأ التصفيات والمعاقبات الجماعية والسجن والتعذيب في معتقلات الإجرام التي أعدت بعناية من أجل القضاء على كل من يحمل بين جنبيه حبا لسوريا أو أي حسٍّ بالوطنية ، أو كان بقلبه ذرة انتماء واحدة إلى وطنه ، أو انتماء يقوده إلى التفكير بالتضحية في أية لحظة ..
ولم يزل التاريخ يتحدث بحرقة عن طبيعة السجون والمعتقلات والمشانق التي أعدها البغاث لأحرار الأمة في كثير من الدول العربية ، حيث نكلوا بالكثير منهم ، كان حكما قاسيا بالحديد والنار بعيدا عن منظومة يحكمها القانون والنظام وشريعة الله .
ولو تصفحنا أنظمة الحكم في العالم المتحضر ، لطاب لنا إلى جانب ما نتهمهم به ، تارة بالكفر ، وتارة أخرى بالشرك ، أن نتحدث عن الحكم الديمقراطي ، وطريقة الوصول إليه عبر انتخابات حرة ونزيهة ، متجاوزين بذلك سخافة طرح شعاري (الفيل والحمار) من قبل أشهر وأبرز حزبين في الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن تلك السخافة لم تستطع أن تقف عثرة بوجه النزاهة والعدالة ، وتطبيق روح القانون والنظام اللذين، هما أساس الحياة ، وهما يطبقا في خمسين ولاية أمريكية بأدق التفاصيل ، ولايات ليست بحجم قطر أو بلد صغيرا مثل سوريا بالمقارنة مع الولايات المتحدة ..
ومن المثير للجدل دائما ، هو أن بلدا مثل سوريا ، حينما كانت تخوض الانتخابات الرئاسية ، نجد أن نسبة المنتخبين لصالح الرئيس تبلغ (99.9%) ، ولكن من هم أولئك الذين يجرؤن على مخالفة تلك النسبة العظيمة ليقولوا لا ؟ ونحن نعلم بأنهم يوقعون على نماذج مطبوعة بكلمة نعم ولا يملكون غير ذلك ، والويل لمن يقول لا .. بالطبع .. إنها الديمقراطية المزيفة ، هي التي أدت إلى نشوء كل تلك الصراعات والنزاعات التي نراها الآن .
إن فترة الحكم يجب أن لا تتجاوز أربع سنوات ، أسوة بغيرنا من الدول المتحضرة في العالم الغربي ، وإن استمرار الحاكم على كرسيه نيف وثلاثين أو أربعين سنة على التوالي ، لهي من أكبر مآسي الشعوب ومن أهم أنواع المحفزات لقيام الثورات في الوطن العربي ، حتى لو أدى ذلك إلى الاستعانة بالغير ، حتى لو كانوا من أعداء الأمة .. كل ذلك من أجل التخلص من حاكم جائر متجبِّر قاتلٍ لكل أحرار الأمة من أبناء شعبه ، وإنَّ أي استمرار لحاكم في الرئاسة ، قد يؤدي إلى تعفنه وتعفن حكمه وكرسيه ، وبغض الناس له ، وإن حاول تطبيق الديمقراطية بكل ما استطاع من قوة ، فلن يتأتى له ذلك، لأن الناس بطبعهم يميلون إلى التغيير .
بشار الأسد الذي فضَّل قتل شعبه ، وتشريد أحرار بلده على أن يستجيب لمطالبهم ، وينسحب من الحكم بشرف ، ونزولا عند رغبات شعب سورية العريق ، كان يعلم يقينا بأن حكمه هذا قائم على الدموية والاستبداد ، وما هو إلا استمرار لحكم أبيه من قبله الذي دمر مدينة حماة بالكامل وشرد أهلها وحول مساجدها إلى خمارات ومراقص ونوادي ليلية ، فكان من الأولى أن يسارع شبله بشار ومنذ اندلاع الثورة ، إلى عقد اجتماع وطني عاجل على مستوى القطر السوري ، يكون هدفه إنقاذ سوريا من الهاوية ، وأن يقوم بإجراء انتخابات رئاسية ، بعد أن يقوم الشعب بترشيح مجموعة من الرجال الأمناء على مصلحة سورية ، وهم كثر في سورية العرب .. ومن هناك يتنحى عن الحكم قبل أن تراق نقطة دم واحدة .. وبهذا يكون قد جنب سوريا الدمار والخراب والتشريد والويلات التي وصل لها الشعب السوري ..
لو خطا بشار على خطى سوار الذهب في السودان ، لوازى قامة سوار الذهب ، ولسجل له التاريخ أعظم المواقف .. ولكنه الآن على حافة الهاوية .. فإن نجح الروس بالقضاء على الثوار والذين أصبح الإعلام يشير إليهم بأصابع الاتهام ، وبأن بعضهم هم عملاء لإسرائيل ، وأن جرحاهم يعالجون في إسرائيل ، ويتلقون المساعدات من أمريكا وإسرائيل ، وهم والحالة هذه ليسوا جديرون بأن يحكموا سوريا طالما أنهم يسيرون بطريق العمالة والخيانة من الآن .. ومع هذا فإنه لا انتصار لبشار في سوريا ، وإن نصرته سوريا ، فإن الله لن ينصره ، ولن تضيع دماء الشهداء والأبرياء سدى ..
سوريا الآن تحت القصف الروسي ، يعاني شعبها الويلات والدمار والقتل والتشريد ، وفي كل يوم نتلقى أنباء مفزعة ، عن جرائم ترتكب ، وأرواح تزهق ومدن تدمر ، ومشردون يغرقون في بحار العالم ، يهانون ويُمتهنون في بعض دول أوروبا ، والروس كما يعلم الكثير ، لهم ثارات عند المسلمين والعرب ، لأنهم سبق أن ذاقوا وتجرعوا الويلات في حربهم ضد دول البلقان ، في الشيشان وفي دول أخرى كانت تخضع لهيمنتهم إبان الاتحاد السوفياتي المنحل .. وستبدي لنا الأيام القليلة القادمة ما لم نكن نتوقعه وما لم يكن بالحسبان .. والله ولي الصابرين ،،،،