19-10-2015 05:44 PM
بقلم : د. سعود فلاح الحربي
يُشكل على البعض عدم التفريق بين اسقاط وسقوط العضوية من جهة, وبين بطلانها من جهة اخرى في اي تنظيم او هيئة او مجلس, وفي مجملها هي حالات شغور المقعد الذي يشغله العضو, ويستتبع هذا الإشكال خلطاً في مواد قانونية تعالج مسائل سقوط العضوية واخرى تعالج بطلانها, والفارق الرئيس بين اسقاط وسقوط العضوية انها تسري عليها احكام الالغاء القانوني, بمعنى ان الغاء العضوية تسري آثاره على المستقبل فقط, اما بطلان العضوية فتسري عليها احكام البطلان القانوني والتي تعني سريان آثار البطلان على الماضي والمستقبل ( كأن لم يكن ) والماضي والمستقبل لكل منها يكون باعتبار تاريخ إشغال العضو للمقعد.
وبمواجهة ما تقدم بعضوية مجلس النواب, فإن اسقاط العضوية يكون بقرار صادر عن المجلس مسبب تتجه فيه نية المجلس بفصل العضو وزوال صفة العضوية عنه, مع ملاحظة ان هذه الصلاحية الممنوحة للمجلس هي من قواعد الاختصاص اي لا بد ان يكون هناك نص صريح من الدستور يتيح للمجلس ممارسة مثل هذه الصلاحية, اما سقوط العضوية فتعني انتفاء شرطاً من شروط العضوية التي نص عليها المشرع لقبول ترشيح العضو لعضوية المجلس, فهذه الشروط يجب ان تبقى قائمة قي شخص العضو طيلة فترة عضويته للمجلس, فإن اختل اي منها تسقط العضوية حكما ويكتفى هنا بقرار يصدر عن المجلس يعلن فيه شغور مقعد العضو للسير باجراءات ملء المقعد لم تتجه فيه ارادة المجلس في زوال العضوية عن العضو, وهنا مكمن الفرق بين اسقاط العضوية وسقوطها المتمثل في تعبير المجلس عن ارادته, ففي الاسقاط اتجهت ارادة المجلس لانهاء عضوية العضو وزوالها اما في السقوط فيتخذ قراراً اجرائياً يُعلن فيه شغور المقعد؛ لأن العضوية زالت عن العضو حكماً بنص التشريع, وهنا لا بد من التفريق بين الوفاة وقبول الاستقالة كسبب لزوال العضوية من جهة وبين شروط العضوية الاخرى كالسن والعقل والجنسية وغيرها من جهة اخرى, لاختلاف طبيعةكل منها وان كانت جميعها من حالات سقوط العضوية عن العضو وزوالها, فالعضوية تسقط بالوفاة او بقبول استقالة العضو او حصوله على جنسية دولة اجنبية مثلاً سواء أكان ذلك قبل الترشيح او بعدما اصبح عضواً.
اما بطلان العضوية فيكون بقرار صادر عن جهة القضاء, جاء نتيجة لتقديم طعن بصحة نيابة العضو لارتكابه مخالفة جسيمة اثناء الاقتراع ترتب عليها التأثير على ارادة الناخبين على غير ما هي حقيقتها, يرى القاضي معها بطلان عضويته لأنها اتت كنيجة انبنت على وقائع مخالفة للقانون كالتزوير في الانتخابات, فيصدر القاضي حكمه ببطلان عضوية العضو ويعلن اسم المرشح الفائز بالعضوية ويمتد اثر البطلان على كافة المزايا التي تمتع بها العضو وعلى الاجراءات التي صدرت منه قبل اكتساب الحكم الدرجة القطعية ما لم ينص التشريع على صحتها.
ولعل اسقاط وسقوط عضوية مجلس النواب لا تثير إشكالاً في مسودة مشروع قانون الانتخاب الجديد كما اثارته مسألة بطلان العضوية حيث اشار البعض من ان المادة 9/ج من مشروع القانون التي تشير الى ان الانتخاب يجري من قبل الناخب بالتصويت اولاً للقائمة ومن ثم يصوت لاي من مرشحي القائمة وفق نظام القائمة النسبية المفتوحة (نظام التمثيل النسبي) تمنع تطبيق نص دستوري, يقصد بذلك المادة 71/2 من الدستور التي تحتم على القاضي اعلان اسم الفائز بدل العضو المبطلة نيابته, بحجة ان ابطال الاصوات التي حصل عليها المطعون بصحة نيابته تؤدي بالضرورة الى ابطال نيابة اي عضو اخر فاز بموجبها, فلا يعود هناك أي مرشح يمكن للمحكمة أن تعلن فوزه وبالتالي تسلب هذه المادة حق المحكمة في اعلان اسم الفائز الذي يترتب عليه بطلان هذه المادة لمخالفتها نص المادة 71/2 من الدستور, ومن وجهة نظري المتواضعة فإن هذا الكلام غير دقيق للاسباب الآتية:
اولاً: يجب التفريق بين الاصوات التي حصلت عليها القائمة بالمجمل وبين الاصوات التي حصل عليها المرشح على الصعيد الشخصي, وعند إعمال هذا التفريق فإن القاضي يبطل الاصوات التي حصل عليها العضو على الصعيد الشخصي ولايسري الابطال على جزءً من اصوات القائمة بالمجمل؛ لان المشرع ميّز بين نوعين من الاصوات اصوات القائمة واصوات ممنوحة لمرشحين داخل القائمة, وليس من العدل والمنطق حين أُبطل الاصوات التي حصل عليها المرشح لشخصة ان أُبطل جزءً من الاصوات التي حصلت عليها القائمة, لاختلاف ارادة الناخب في كل منها بمعنى ان الناخب اقترع بنوعين من انواع الاصوات الاول كلي منحه للقائمة لقناعة ما والاخر صوت شخصي لاحد افرادها لقناعة اخرى, وهنا ينتقل القاضي للمرشح الذي يليه بعدد الاصوات ضمن القائمة فيكون هو المرشح الفائز.
ثانياً: ان القول بتعذر معرفة القاضي اسم الفائز في ظل نظام التمثيل النسبي (القائمة النسبية المفتوحة) يجانب الصواب لأن القاضي يستطيع وحسب طريقة اكبر البواقي من معرفة اسم الشخص الفائز (اول الخاسرين) بكل سهولة, فاذا تعذر معرفته كما في اولاً فانه ينتقل للقائمة التي تلتها باكبر البواقي, فان كان منها فائز فانه ينتقل للمرشح الذي يليه بعدد الاصوات ضمن القائمة, ويضيف مقعداً اضافياً للقائمة معلناً اسم الفائز واذا تعذر ينتقل للقائمة التي تليها حتى يصل الى الفائز.
ثالثاً: حتى وإن سلّمنا بصحة هذا القول فأن من صميم عمل القاضي الامتناع عن تطبيق اي نص من نصوص القانون اذا اقتنع بعدم دستوريته, ممارساً بذلك رقابة امتناع دستورية وهنا ينتقل القاضي الى خيارات دستورية اخرى, فيستطيع ابطال الانتخاب كاملاً في الدائرة الانتخابية حسب نص المادة 71/5 من الدستور التي تغافلها صاحب هذا القول, والتي تشير صراحة الى حق المحكمة في ابطال الانتخاب في الدائرة الانتخابية اذا تبيّن لها ان اجراءات الانتخاب لم تتم وفق صحيح القانون.
واخيرا فان حالات اسقاط وسقوط وبطلان العضوية هي حالات يترتب عليها شغور مقعد العضو في مجلس النواب وفي الحالات كلها لا بد ان يصدر مجلس النواب قرارا بها مشعرا الحكومة بالشغور حتى يصار الى السير باجراءات ملء المقعد الشاغر.
Dr.saudalharbi@yahoo.com