26-10-2015 04:00 PM
بقلم : د. محمد عبدالكريم الزيود
الله ثلاثة أعوام مرت على غيابك .. وما زلتُ أنتظر القصيدة التي وعدتني بها ككل وعودك الكثيرة التي تختفي مع حلقات دخانك وضحكك ..أتذكر آخر مرة قلت لي : لا تحبني كثير يا محمد .. فقلت لك : العمر يفرّ من بين أصابعنا ، فترد علي :حافظ على قلبك الأبيض فما زلت عند أول النبع ..!!!
هل كنت تودعني أم توصيني وأعرف أن قلبك الذي أحتمل كل أثقال الشعر ولكن لم يحتمل أحقاد البشر وحسدهم وظل أبيضا رقراقا صافيا .. وكنت تفيض بالقصائد كلما لامست عينك تراب الوطن أو مرت بنافذتك عطر جدائل البنات ... هو قلبك "المهفهف" ما عاد يرّف عند أول ضحكة أو يغازل شعرك كحل صبية حورانية ...
اليوم نزور العالوك ونمرُّ على غيمها وعلى سنديانها وعلى بيتك في تلك الربوة التي ما خبت نارك فيها يوما ولا أغلقت بابك في وجه طالب حاجة وإستقبلت كل فرسان الأردن في مضافتك فلا يزور بيت الفرسان إلا فارس ولا يؤم بيت الكرام إلا كريم .... ونقف على قبرك في "المسرة" وقد إشتعل عشبا ولكنه "لم يجف بعد" ....
حبيب وفيك " سمرة تغوي البنات " وكرم الأردنيين وبساطتهم وعنفوانهم ... أراك اليوم وقد جالست وصفي وحابس وهزاع ووالدك حميدان يروي عن فروسية الأردنيين و عن سنوات الوطن العجاف وظلم ذوي القربى وعن القدس والعسكر .. واتكئت مع صايل الشهوان وفراس العجلوني وحمدان الهواري ونمر بن عدوان وعرار تستمعون لعقاب العجرمي يجرّ على ربابته ودلال القهوة عامرة والخيل تصهل في الميدان ...
أتذكر عندما كتبت يا حبيب قصيدة "هذي بلدنا" كانت البلد بلدنا.. كل شيء فيها يشبهنا من وجوه ناسها وعسكرها وموارسها ، كتبت عن الوطن " المهيّوب " الخالي من الفساد، والهيل "المسكوب".. كتبت عن "خوابينا" الملآنة قمح وقناعة وليست مديونية وغلاء وجريمة وعنف.. كتبت عن أهلنا "المهبّشين الهيل" المسكونيين بالرضا والطيب والفروسية ... كتبت عن البنت "الأردنية" التي ظلت متشبثة بأرضها رغم رياح التغيير و(التمكين) والفقر... كتبت عن عمان "نغمة الشوق" وصباحاتها "الحنّة على حنّة" وعمان االأدراج وليست الأبراج والدواوير الضوئية .. كتبت عن الجيش "سور الوطن العالي "... كتبت عن "مهدبات الهدب" وقلت لهن لاتبكين إنما غنن على (وصفي).. وعن غياب (حابس) "والدنيا تشارين"...
حبيب غادرتنا في تشرين وتركت فراغا وغيابا في ساحة الشعر لم يشغله أحد بعدك رغم أنوف وجحود النقاد والناكرين .. فلا شارع أو ميدان أو مؤسسة تحمل إسمك، وأعرف أن إسمك أكبر من شوارعهم ومن ثقافتهم .. أتعرف لماذا هم لم يفعلوا وإن فعلوا فإن اسمك كأسماء من مروا على التراب الأردني لا تنسى حتى لو نسوا فنحن الذاكرة الوطنية ونحن ذاكرة الناس الحية التي لا تنسى ولن تشوه مهما حاولوا .. فنحن الثابتون كأشجار الزيتون في العالوك وبساتين العنب في كفرابيل .. وكجبال عمان السبعة... وهم الذاهبون بلا رجعة ....!!
حبيب :أوجعنا غيابك ... فسلام عليك .