28-10-2015 09:36 AM
سرايا - سرايا - التعامل مع الإبداع الأدبي، نحو طموح تكريسه أو تعليمه في المدارس والجامعات وتنميطه بـ(الداتا شو)، يظلّ غير مكتملٍ، أو هو (خداج) ما لم يُرفد بالحالة الإبداعية أو ملكة الإبداع، وتمثُّل ظرف الكاتب وإرهاصاته ومعايشته الحالة، التي يستحيل أن يلبيها برنامج إلكتروني (مستورد)؛ يدعو إلى (تطبيق) تسلسلٍ وتوصيات لا ترتدّ إلا بالتصنُّع ومعاضلة النماذج الممسوخة في عالم الأدب، الذي هو أسهل بكثير من كلّ هذا التقنين.
لفتني أول من أمس، أن يجتمع ثلاثة من أساتذة جامعات يدرّسون اللغة الإنجليزية وآدابها؛ مهتمّين بالخروج من الخطاب الشفوي ومراكمة النصوص باتجاه مراحل لاحقة في الاستصفاء والافتخار بالبصمة في عالم الكتابة، لكنّي وجدتُ في الندوة التي دُعيت إليها الدائرة الثقافية في (الرأي) ونظمتها (لغويات لخدمات الترجمة واللغة) بالتعاون مع جامعة عمان العربيّة، أنّ ثمّة استعجالاً وقطعاً لأنفاس يمكن أن تبدع في المدرسة وفي الجامعة وخارج أسوار الجامعة؛ إذا ما افترضنا أن طلبتنا لا بدّ وأن ينزاحوا باتجاه المنتديات والاتحادات والروابط الإبداعيّة، فيلتقطوا الثيمة والاشتغال، ويتأثروا بما يجترحه الشعراء والروائيّون وجملة الكتّاب، والأمثلة على هؤلاء بين ظهرانينا في مرتادي الصفحات الثقافية والهيئات التي تعدّ مطبخاً موضوعيّاً في عالم الإبداع.
وقد ظهرت بوادر هذا الاستعجال، حين وقف المحور الأوّل في موضوع (الكتابة الإبداعيّة) في سبع نقاط، من المحزن أن يتم التساهل بشأنها في الحديث المطوّل عن الاعتماد على الذات وتمثُّل نماذج هندسيّة في توسيع الأدمغة بالوصل بين المربعات والأشكال وربما المتاهات دون أن ينفلت القلم من راحة اليد، بهدف الخروج بتوافيق وتباديل لتداول طرق الكتابة وحكّ العقول على الفضاء المنشود.
وفي الواقع، فقد اعتقدت أنّ أدباء يتحدثون عن منتجاتهم أمثلةً لحفز مدراء المدارس والمشرفين على تبني حالات الإبداع في الخروج من النمط وتبني الإبداع بالأفكار؛ إذ تشهد الصحف الثقافية والملاحق أن شعراء أكاديميين وطلبة يقتدونهم ما يزالون يضعون الرواد بين أعينهم في ما يكتبون، ولا يسمحون حتى في مفارقة البناء على النماذج التي تعلموها في المدارس، وهؤلاء من الخطورة بحيث يمجّون كلّ لمسة إبداع، ويعدّون الخروج على (النمط) عيباً أو هو من المستهجن في ظلّ سيطرة الصورة التي توارثوها في الشعر العربيّ، فتكون النتيجة أنّ مكتباتٍ باتت تنأى بمنتجات مكرورة وبناء-حتى مع محاولات تحديثه- ينكفئ على ذاته لينضاف إلى ذلك الركام.
لكنّ شباباً خرجوا من الشرنقة، أو هم خارجون، باتوا يطّلعون على النماذج ويخالفون ويبحثون عما يميّزهم، بعد أن هضموا شعر درويش وباتوا يتنفسون من رئته في ما يكتبون، أو حفظوا مظفراً وأحمد مطر، علاوةً على قراءتهم السياب والبياتي وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل، ونماذج مضيئة في تغميس النصّ الأدبي بثيمة الإبداع السياسي، فكان أنّ صدوراً حنونة تظلّ تتلقاهم في الصحف والأمسيات والمنتديات، طمعاً في الإبداع المنشود.
تقول عناوين المحور الأوّل في الندوة أو الورشة: ما أهمية تعليم مهارات الكتابة الإبداعيّة؟، وما العوائق والتحديات التي تواجه الطلاب في الكتابة؟، وما مقومات الكتابة الإبداعيّة؟، وما الطرق والأساليب التي تنمي القدرة على الابتكار؟، وكيف نساعد الطلبة في تحسين الكتابة الإبداعيّة؟، وما مواصفات الشخصيّة المبدعة؟، وما التطبيقات العملية لزيادة اللياقة الأدبية والطلاقة الذهنيّة؟!
وكلّ ذلك كان يعوزه (الاجتراح) الإبداعي، والاطلاع على عورات النصوص، وقد سألتُ أساتذة اللغة الإنجليزية الثلاثة: لِمَ يندر أن نجد طالباً أو شاباً يستفيد من شكسبير أو توماس مور أو بابلو نيرودا أو أليوت.. وسواهم كثير؛ فتتحسن الذائقة وتتعولم الأفكار بالشعر؟!.. والمحزن أن شهوةً لدى الدكتور رجائي الخانجي والدكتور رياض حسين والدكتور عمر عطاري للمشاركة وتأكيد ثقل التكرار باتجاه الخروج من البحيرة الضحلة في الشعر، مثلاً، نحو جداول التأثير، وبالتأكيد فإنّ لدى هؤلاء ما يقولونه في ألا يظلّ النصّ تقريريّاً أشبه بالبحث، مع أنّ توفير (داتا) الأدب مهمة بشرط التوليف.
كنت تمنيت أن يعطى هؤلاء الأساتذة الذين يسوّغ إبداعهم حضورهم فرصةً أكثر من دقائق معدودة، خصوصاً وقد استهلّ رئيس جامعة عمان العربيّة الدكتور عمر الجراح بمعاينته ضعف الطلبة في الكتابة الإبداعيّة، لضعفهم في أساسيات هذا المجال، بوصف التعبير الإبداعي من أعلى مستويات التفكير.
وكنتب تمنيت على مدراء المدارس ومشرفيها ألا يقفوا عند الحالة النمائيّة للطلبة؛ فلا يطلقوا الإبداعات من مكامنها بحجة الوقوف عند المنهاج، وربّما بسبب الخوف من أنّ التوسعة تؤدي إلى الاضطراب.
حاول الدكتور حاتم شهاب جهده، وقد قال إنّه تعلّم على حنان عشراوي الكتابة الإبداعية والاعتماد على الذات في الإبداع، أن يحثّ الأدمغة (إلكترونيّاً) وأن يخرجها من الصناديق، لكنّي وجدت أنّ شموليّة الورشة في محورها الثاني عن الإدارة ومسؤوليات القيادة التعليميّة وجودة التعليم وما شابه، التي حاضر فيها المدرب الاقتصادي د.مهدي العلمي، ربّما جعلت الحديث مختصراً معدوماً من شواهد الإبداع، حتى أنّ النقاش كان مضبوطاً جداً في التركيز على النحو وعناصر اللغة التقليدية التي مهما كانت ضروريّةً فإنّها لا تصنع الإبداع الأدبي؛ وإلا فإنّ كلّ النحاة لدينا هم مبدعون لا يجاريهم في التسابق إلى الثيم وخلطات الكتابة من يطلّون من شقوق المعاناة والتقاط الذكيّ في عالم الإبداع.
مهما كانت برامج التعليم وحفز الذكاء غايةً في تحقيق الهدف، إلا أنّ الإبداع الأدبي تحديداً من المرونة بحيث لا يستجيب كثيراً لمعلمي الصبيان أو من يطلّون علينا في برامج الفضائيّات؛ فالعشوائيّات، أيضاً، كثيراً ما تستولد المبدعين.