02-11-2015 04:51 PM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
قال تعالى﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾.من خلال تدبر وتحليل كلمات هذه السورة الكريمة التي تنير للإنسان طريق فهم ذاته ومما هو مركب منه، فالإنسان ليس مجرد جسد حتى يكون جل اهتمام الدراسات والأبحاث فيما يتعلق بمعرفته وتغذيته ولياقته ونظافته وعلاجه، فهذه الدراسات والاهتمامات إنما تغطي ابسط الجوانب الظاهرة من الإنسان ، وحتى هذه المعارف فان نسب الفشل فيها له علاقة في نقص الفهم الصحيح لمحتوى الإنسان ودور كل منه في حياة الإنسان ،فالإنسان ليس مجرد جسد إنما هو نفس وروح وعقل ولكل منها دور ووظيفة لا يدركها ويعمل بها إلا ببصيرة الإيمان بالله تعالى .......
إن إدراك الفهم الصحيح لتركيبة الإنسان ودورها وضبطها لا بد من أن تكون من مصدر الخالق الذي خلق الإنسان وهذا المصدر هو كتاب الله تعالى وسنة حبيبه الذي أغنى الإنسان بالمعلومة عن خلق الإنسان بدايتا كجسد ومراحل خلقه ، ونفخ الروح فيه وهو في عالم الأرحام، وذكر الله تعالى النفس وهواها والحكمة من وجودها عندما توجه قوتها وتضبط لتحفيز الغرائز عند الإنسان ،وذكر العقل بالمخاطبة في التعقل وخاطبته بالتدبر والتفكر ونهيه عن إتباع هوى النفس وأمره باخذ الكتاب بقوة للتزود بالعلم والمعرفة والعمل بهما ،لهذا فان العقل عند الإنسان ولأهميته ينضج، قبل نضوج الغرائز مداخل هوى النفس ، حتى يستطيع العقل اكتساب المعرفة والخبرة التي تمكنه من ضبط شهوات النفس وتهذيب النفس وقيادتها ، وهذا واضح عند الأطفال وحبهم وإلحاحهم للمعرفة ،وعند المراهقين الذين لم يستغل عندهم الوقت الثمين في نضوج العقل قبل نضوج الغرائز وتركوا هكذا لتصبح النفس وهواها هي المسيطرة على الإنسان فتصبح تصرفاته حسب هوى النفس ،إنسان مذموم عندما يتصف بالظلم والجحود والطغيان والجهل والسوء والخروج من هذه الصفات لا يكون إلا بلباس الإيمان والاقتداء بالهداية ........
فالإيمان يمنح العقل البشري العلم والحكمة والقوة للسيطرة على النفس وهواها كون الإيمان لا يكون إلا بإخلاص العمل لله تعالى وفرض أن تحب لله وتكره في الله وجعل الإخلاص شرطا لقبول الأعمال وشرطا في التوحيد على مبدأ كلمة الحق لا اله إلا الله، وان الاقتداء يضعف هوى النفس ، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم )،(الصوم لمن لم يستطع الزواج إضعاف لشهوة النفس ) وان إتباع الهداية والمتمثلة في قول واشهد أن محمدا رسول الله هي لإصلاح الحياة من خلال إضعاف هوا النفس وتوجيه طاقتها وقدرتها الخارقة لجانب الخير، لهذا يحرص المؤمن على هذا الحق ويصبر فالخير لا يكون إلا فيه ......
إن الكثير من مشاهد الجهل عند الإنسان وهو في ظل العلم والمعرفة المادية ،وهو يعالج تخمة وسمنة الجسد في الرياضة والعلاج ولم يعالج ويضبط هوى النفس في الإسراف ،وان من يختار الزوجة أو من تختار الزوج لها على مبدأ النفس وهواها للماديات ، أو من يربي أطفاله خارج عن مبدأ التوحيد والهداية خسران لان صلة الإنسان بالإنسان لا بد أن تكون من خلال الخالق جل وعلا لهذا فان الإنسان قد فقد الصلة والصحبة والصداقة الحقيقية لأنها أصبحت مرتبطة بالمصلحة المادية جهل ومعاناة تجعل الإنسان يشهد بالشهادتين وهي أن الله هو الحق وان كتاب الله وسنة حبيبه هما الحق المبين .......
قال تعالى( فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ [37] وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [38] فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ [39] وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ [40] فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ [41]النازعات. إن الإنسان الذي لبس هوى النفس وتخلى عن العقل المنار بالتوحيد والهداية أصبح ظالم لنفسه وظالما لجسده قبل أن يكون ظالما للآخرين لهذا فان أعظم الجهاد هو أن يجاهد الإنسان نفسه وهواها ليردعها ويصبر على الحق أمام ظلم مغريات الحياة الفانية في لعبها وزينتها والتفاخر بين الناس........