بقلم :
الآن هلّ هلال شهر رمضان.. شهر الصيام والقيام.. شهر أحسن الكلام.. والسلام.. كالعادة فقد تم مداهمتنا بأمواجٍ عاتيةٍ من كلّ ما من شأنه أن يقوّض صيامنا وقيامنا.. فما بين أشهى الطبخات.. إلى سلّي صيامك.. ولا أدري كيف يتم تمرير مثل هذه الألفاظ التي تخرج الصائم من عبادته للتعلّق بعاداتٍ غريبة.. إلى حزمة هائلة من المسلسلات المصرية والسورية لكي نركب دوّامة لا تنتهي طيلة الشهر الكريم.. إلى ما تدعى بالخيمة أو السهرات الرمضانية التي لا تمتّ لرمضان بصلةٍ، بل إنها تهدم أركانه وغاياته في كلّ ما تقدمه من سهراتٍ مختلطة وأراجيل ومهازل تحسب زوراً على رمضان.. إلى السهر طوال الليل والنوم طوال النهار.. إلى برنامج رمضان معنا أحلى والذي يهيل على رؤوس بعض المحاسيب من المتصلين بجوائز يسيل لها لعابنا ليصبح نهراً جارياً ونحن نتحسر على الجوائز، فيما يكون الواحد منا كالمضروب على رأسه بقيامنا بإجراء الاتصال تلو الآخر على أمل أن ( يلقط الخط).. لنكتشف أنه تم حلبنا بالثانية ومن أول ثانية.. إلى برنامج الفرصة الشهير الذي جعلنا نسمع عن مكافأة للمذيع بمئات الآلاف.. وهل ننسى تلك المهازل المسماة بالحزازير، التي هي على هيئة ( خيار اسمه الله لا يدلك على اسمه) والمهزلة أنه لا يستدل على اسمه.. وماذا عن خيمات الإفطار الرمضانية التي يتفنن البعض ليتكسب منها دعائياً وإعلانياً مع الأمل بمكاسب أخرويّة.. الآن تشمّر وزارة الأوقاف ووزيرها عن ألسنتهم مبتهلين بالدعاء والثناء لإطالة رمضان، فهو بيئتهم ومجالهم الحيوي لترويج ما لديهم.. الآن سيشنّف آذاننا يومياً قبل الإفطار أو السحور ذلك المذيع الذي سيستمتع وهو يفرض أستاذيته علينا، مدركاً حاجتنا وعدم قدرتنا على تغيير المحطة.. لتهلّ علينا على مائدة الإفطار مذيعة جديدة ونحن لم ننته من الشكر والحمد لله، لتستبيح ما تبقى من ورعنا ومن محاولة التقوى والصفاء، لتشرك معها رمز الأمّة هيفا في توزيع الجوائز وتقديم البرنامج.. الآن سنتابع ما تدعى بالبرامج الدينية التي تؤكد على نواقض الصيام ومفطرات رمضان، خاصةً على تلك المحطات التي تعيد صقل غرائزنا، لتستمر المهزلة والدوّامة بلا أدنى بارقة أمل للصفاء والنقاء الإيماني.. إنني أدعو الصائمين إلى مقاطعة التلفزيون والإذاعة.. مقاطعة برامج المسابقات.. مقاطعة مشاهدة المسلسلات.. مقاطعة الحزازير.. الآن سنستمع يومياً لفتاوى عن المضمضة واستخدام السواك وبلع الريق.. الآن سينشف ريقنا ليس عطشاً، وإنما نهماً وركضاً ولهاثاً وراء متابعة ما يقذف علينا.. هذا هو يومنا الأول في رمضان.. ومن أجل أن يكون ( رمضان غير).. لنكن نحن غير ما يريدون وما يتمنون.. إنهم يريدوننا ممن يستمعون القول فيتبعون أقبحه وأفجره.. الآن طوابير الخبز والقطايف والتمر هندي والسوس وضمة النعنع وحمص الفتّة والبصل الأخضر والفجل.. طوابير السيّارات والأسواق الشعبية.. طوابير السرعة الجنونية عند ساعة الإفطار.. طوابير الكسل والخمول في العمل.. طوابير ( حل عني تراني صايم).. طوابير تعال بعد رمضان.. طوابير على الأراجيل.. طوابير مشاهدة باب الحارة.. لكننا ووسط كلّ تلك الطوابير.. لا نجد فسحةٍ لطابور مع النفس.. لوقفةٍ مع الذات.. أعاننا الله على ما ابتلينا به.. وجعله رمضان غير ما يرومون..