11-11-2015 10:28 AM
بقلم : د. محمد عبدالكريم الزيود
اليوم أنحاز إلى الشمال، حيث موضع القلب يتوسط كل الدروب وتمرّ من خلاله ، ولا ألوم حبيب الزيودي عندما قال : " شرفة تكفي لقلبي لينادي يا شمال.. أنت من علمتني أن أجمل درس من دروس الحب .. إن الكون في طيّة شال " .. هو الشمال الأردني بوصلة العاشقين للوطن .. للتراب الأحمر البكر .. للخير المخبّئ في الحقول .
هو أول الفتح وأول الدم في اليرموك إلى حطين .. وهو أول الوعي الممتد من كليب الشريدة وسليمان السودي الروسان إلى بيوت حوران وإلى مدارس دمشق ومساجدها، فأنتجت موارسه قمحا، وبساتينه تينا، وظلت حواكير القرى عامرة بالطيب والعنب والنعناع، كان وارفا بالزيتون والدحنون. كيف وحاضرتها إربد التي تحتضن في ثوبها الرمثا طفلة مدللة ، وتجاورها شقيقاتها جرش وعجلون المتكئات على أكتاف الغور والمشرفات على جبال فلسطين.
الشمال هو من أنتج أول الفرسان والشهداء، ومن هناك عقر فرسه وقدم روحه كايد المفلح العبيدات وحلّق فراس العجلوني مع كوكبة الشهداء فهم من أعطوا للشجاعة طعما مختلفا ... مثلما أنتج علماء كرماء : نوح القضاة وعلي الفقيروأحمد الكوفحي ... وخطت إبداعات اللغة على جدرانها: عرار وعبدالكريم الغرايبة و يوسف البكار و زياد الزعبي .. وهو نفسه من أنتج الحضور السياسي المهيب : لوصفي التل وأحمد عبيدات وعون الخصاونة ... ثم أورق لنا أصواتا بنكهة الينابيع الصافية صاغت وجداننا الوطني : توفيق النمري ومحمد غوانمة ومتعب الصقار...
اليوم ما زال الشمال الأردني فتيّا أخضرا خصبا بالمواهب الشجيّة والموغلة بالحنين والمطر والشعر والكتابة ، وربما سأنحاز للأصوات الإنثوية الجميلة حضورا وإبداعا وأذكر : مريم جبر الفريحات وخولة شخاترة وليندا عبيد ونهلة الشقران ونهال عقيل المهيدات ... في راحتهن بقية من حناء الأمهات وفي أصواتهن بضعا من ياسمين ، ينسجن قصائدهن وقصصهن على مهل كالأثواب المطرزة الزاهية...
هو هذا الشمال حضن الأردن الدافئ والمرتكز على تاريخ عبق والمغروس على جغرافية صلبة كجذوع السنديان ... وهو نفسه المرسوم بحكايات الشتاء الدافئة والمحروس بعين الله وزنود أبناءه الخشنة... فما دام خصبا مورقا بالحب والإبداع والفروسية والشهادة فلا نخاف على بلدنا.