حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,1 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 15851

أوقفو هذا الجنون ..

أوقفو هذا الجنون ..

أوقفو هذا الجنون ..

27-01-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 

يؤلمني ما جرى البارحة ، يؤلمني حد رؤية المطر دموع ، غيومنا تبكي ،وعيوننا ، الشنط المدرسية تبكي ، والمقاعد في انتظار الأبناء العائدين ، الزوجات المنتظرات ، الأشتال في الحديقة ، غرفة التلفزيون ، والقهوة والأحاديث ،وتبكي الوسائد التي لطالما شاركت الراحلين أحلامهم ، وتبكي الأسرار والرسائل المؤجلة وتبكي الطرقات وتبكي الأمهات ،والأنبياء والملائكة ، حتى ، في عليائها ، تبكي المجرات.... نحن اليوم شعب مكلوم بحادثة الأمس ، ويومنا بالأمس كان أسود ، وكذلك باقي العمر، ونحن ثكلى بالذي جرى ، حتى عصافيرنا الشتائية ثكلى ، وأني متألم ، وحزين ، وأشعر أن صوتي اليوم مبحوح جريح، ومزاجي ، جنائزي ، وأستشعر صدري كواد سحيق ، مظلم ومهجور ، يتعلق فيه قلب يدمي ، وباقي رئة ، يستعصي عليها الهواء.... أتخيل ماذا يوجد في صندوق الرسائل على الموبايلات المتناثرة في الوادي السحيق ، أتخيل أن أحدهم كان يكتب لحظتها ، أن ها أننا قد اقتربنا من المدينة يا حبيبتي ، مشتاق اليك أنا، فقد كان شهرا قاسيا في العقبة ، وصعب ، لأنني كنت بعيدا عنك ، الآن ، أزداد ربيعا في اقترابي ، والطريق الى اربد ، الأشجار ، المحال والبيوت ، كلها تصير أجمل اذ أقترب ، حبيبتي...ثم فجأة ، ( كل شيئ يتحطم في لحظة عابرة) ، وتنفصل الروح عن الجسد ، وينفصل الجسد عن الجسد، ويتبخرعن هذي الأرض حلم جميل.... أتخيل يحيى ، طفلا شقيا وديع ، يعشق الكمبيوتر والألعاب ، ويقلد أبيه في كل شيئ حتى حلاقة الذقن في الصباح ، طفلا رائعا ، يلبس من العقبة ، جينزا جديدا وقبعة ،وشعرة الأسود بات يتواءم مع سمرة الشواطئ ، ماما ، وكان يحدثها بالهاتف منتشيا ، لقد أحضرت اليك من العقبة محارة محفور اسمك عليها ، ماما ، لا ، نريد مقلوبة ، ماما..ماما...ولتنقلب الدنيا ، دموع ... دموع غزيرة على طفل راحل وديع...... وها أنا أعود لبيتي ـ أفتش البيت عن الأولاد ، فلا أجد الا وحدتي ، لا أصدق ، أذهب نحو الأسرة ، أرفع الأغطية ، لا بد أنهم هنا ، أبحث تحتها ، تحت المكاتب ، بين الكتب والأقلام ،لا أجدهم ... لا بد أنهم في الحمام ، وأذهب مسرعا ، متلهفا ، أفتح الحمام ، أبحث في الزوايا ، يا الله !، ليسوا هنا ، أماتوا حقا ؟! ماذا يعني ذلك ، لن أراهم ، يا الله ، لا أصدق ، أخرج من البيت ، أذهب نحو مقبرة النعيمة ، يلحظني السكان ولا ألحظهم ، يتبعوني ، وأتبع أنا قلبي ، يا الله ، ثلاث قبور جديده ، ودفنتهم ؟ وأصرخ فوق التراب المبلل بالدموع ،وأسقط عليه ، راجيا القبر أن يبتلعني.... وأعود مع السكان لبيتي ، أنزع ربطة عنقي وملابسي ، أخرج على سطح البيت ، فأنا لا أستطيع رؤية زوجتي ، أني هارب مني ومنها ، هارب نحو الأولاد ، أتمدد تحت المطر بلا قلب ، فقلبي قد ثقب ، وأنادي الموت ، لا بد ان يأتي الموت ، لا بد ان أرحل ، يا لوجعي وغربتي وألمي ، يا لانطفاء الحياة ، أيتها السماء ، لا تعذبيني ، خذيني اليهم ، خذيني..... الموت بحادث سير ربما هو أسوأ الأقدار ، وأسوأ النهايات ، والموت المفاجئ ، هو قنبلة نووية من الحزن والفجيعة ، تدمر كل القلوب ،ويبقى اشعاعها الحزين ، يلوكها بالوجع والكآبة وفقدان القدرة على الحلم والأمل والسعادة ، ولا يتبقى في البيوت من بعدها ، الا صور حزينة وأمهات ثكلى وقصة من بكاء لا تنتهي... منذ قليل كان صديقي لدي ، وهو عراقي يحمل الدكتوراة في الهندسة ،ومهندس سابق في فورد لصناعة السيارات ، ويخبرني ، أنه لديهم في بريطانيا ، قامت سلطات السير ،بتحديد السرعة القصوى لحافلات الركاب العمومية بسبعين كيلومتر بالساعة ، وحافلة الركاب العمومية ، تصنيف يطلق على أي حافلة ليست للأستخدام الشخصي ، سواءا كانت لنقل الركاب أو البضائع ، وهذا التحديد ، يتم بوضع عائق ميكانيكي تحت دعسة البنزين ، بحيث اذا دعس السائق حتى النهاية فلن يصل لسرعة أقصى من السرعة المحددة ،ويتم تركيب هذا العائق بسهولة وهو غير مكلف ، ومن الممكن طلبه قبل ترخيص أي مركبة ، ثم أن ادارة السير قادرة على وضع لاصق أو مربط ( يشبه ذلك الموجود على عدادات التاكسي ) ، حتى يتم التأكد من عدم التلاعب بدعسة البنزين ، ويتم الكشف على هذا اللاصق ، سواءا من الدوريات المنتشرة ، ومن دائرة السير وقت الترخيص ، وأظن هذا اقتراح عملي ، سهل وبسيط ، يكفل الحد الفعلي والعملي من حوادث السير ، وأرجو أن يتم تحديد السرعة القصوى في الأردن بسبعين للحافلات والسيارات العامة والحكومية ، وبتسعين للحافلات الخاصة ، كسرعة قصوى لا يستطيع أي أحد تجاوزها بفعل العائق الميكانيكي المثبت تحت دعسة البنزين. شيئ آخر ، أرجو أن يتم شطب أي حافلة نقل أو تاكسي مضى على استخدامها خمس سنوات ، وليس عشر سنوات كما هو معمول به الآن ، وكذلك شطب أي سيارة خاصة عمرها أكثر من عشر سنوات ، فالسيارات مع طول استخدامها ، تقل فيها وسائل الحماية وتزداد قابليتها لتسبيب الحوادث... نقطة أخرى ، وهي أنه يجب وضع حزام أمان على كل مقعد في الحافلة ، وعدم السماح بتسيير أي حافلة لا توفر لركابها هذا الحزام ولا تجبرهم على لبسه. ومرة أخرى ، ها نحن نفقد أكثر من عشرين قتيلا ، لا بل شهيدا ، نفقد عشرين زهرة وعشرين حلما وعشرين ابتسامة ، ومرة أخرى ، نتقدم في تصنيف الدول الأكثر عرضة لحوادث السير ، وأظننا قد بتنا الدولة الأولى ، فنحن نعاني من حكومات لا تستطيع التفكير بزيادة ايرادات الموازنة الا بفرض المزيد من الضرائب والجمارك ، مخالفة كل ما تقول عن التنمية ، او ربما أنها لا تستطيع الوصول لتفكير قادر على اختلاق مشاريع عملاقة قادرة على تشغيل الناس وجلب المزيد من الايرادات للخزينة ،وفي لبنان ، لا توجد جمارك على السيارات ، وفي الأردن ، فأن معظم الشعب يركب سيارات عمرها بحدود العشرين عاما ، سيارات قديمة وتالفة وبالية تسبب حوادث يومية ، وسيارات يقودها متهورون ، والحكومة لا تقبل بالغاء الجمارك على السيارات ، ولا تفكر بتحديد السرعة بوضع العوائق المحددة تحت دعسة البنزين ، ونحن الشعب ، بالكثير منا ، نركب خلف المقود ، ونشعل الراديو والسيجارة ، ونحضر قهوتنا على التابلوا ، ونتحدث بالهاتف ، كل ذلك ، اذ ننسى تعليمنا ووقارنا وثقافتنا ، وتعود الينا نفسية الطيش والزعرنة والبطولة الوهمية ، ونسوق مثل المجانين ، ليرحل منا الآلاف سنويا ، وثمة لا رادع ، وثمة لا أمل... مرة أخرى أود أن أخبركم أني غاضب بشدة لحادث الأمس ، غاضب وحزين ، وأني ألقي مسوؤلية الموت المجاني هذا علينا جميعا ، من شعب وحكومة ، من شركات وسائقين ، وأني أرجو تدخلا شخصيا من الملك ومن الرئيس فيما يتعلق بمسألة الحوادث هذه ، وأرجو من كل الهيئات والنقابات ، تسيير مظاهرات اجتماعية ، هدفها التوعية والأرشاد ، وذكر قصص الراحلين ، وذكر مأساة ذويهم ، كي لا ننسى ، وكي يتراكم لدينا الوعي المروري ، وأني ليدمي قلبي ما جرى ، وأسألكم وأسأل الله ، أن نمنع حدوث أي كارثة مشابهة.....   








طباعة
  • المشاهدات: 15851
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
27-01-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تتحمل إيران مسؤولية "نشر الفوضى وتأجيج الفتن" في سوريا كما تتهمها جامعة الدول العربية رغم نفي طهران؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم