14-11-2015 09:46 AM
بقلم : د عودة ابو درويش
كان يعتقد انه من المتفائلين , ومن الناس المؤمنين بقضاء الله وقدره , لا تثنيه الكوارث التي دائما تحصل معه عن أن يكون متفائلا , راضيا بما قدّره الله له , ومتوقعا الخير كلّه له ولأهله ولمن حوله , يحسن الظنّ بالله ويعلم تماما ان الله ارحم به من والدته التي انجبته , يدافع عن تفاؤله بتوقع الخير , وأن لا يأخذه اليأس الى التشاؤم , الذي لا يؤمن به , ويحاول دائما أن يبتعد عنه , يعلم تماما ان ما يحصل معه انما هو مقدمة لخير قادم يخبّئه له القدر , ولا بد من ان يأتي هذا الخير عمّا قريب و لا يشكو ولا يتذمّر , ولا يغضب من ايّ أحد اراد أن يؤذيه أو آذاه , وانّما يجد له العذر , ويسامحه .
عاش في بيت أبيه العامل في البناء , والذي لم يكن يستطيع أن يوّفر العيش الكريم لعدد كبير من الاولاد ولأمّهم , ولم يستطع أن يكمل تعليمه الاساسي بسبب العوز وبسبب معلّم اللغة العربية الذي كان دائما يضربه بالعصى لأنّه لا يفّرق بين الألف المكسورة والممدودة , ويبتسم والالم يزداد في يديه , ويأمل أن يتعلّم الفرق فيما بعد , ولم يعرفه أبدا , وكان عليه أن يعمل ليساعد أباه , تفاءل بأن يكمل دراسته فيما بعد , ولكنه لم يكملها , تزوّج قريبته , البدينة القميئة , كما كان يسميّها في سرّه , وأحتمل بذاءة لسانها وكلماتها الجارحة , ويتفاءل بأن تغيّر من طريقة تعاملها معه فيما بعد , ولم تفعل .
لم تستطع زوجته أن تنجب له أولاد , ربما كان السبب بدانتها وربما لسبب آخر أو ربما بسببه هو , وتفاءل بأن يأتيه الاولاد فيما بعد ولم يأتوه , جرّب اكثر من طريقة لجمع المال , عمل مثل أبيه في البناء , عمل في تجارة خسر بها القرض الذي حصل عليه بشقّ الانفس من مؤسسة اقراضية باتت تطلبه بنقودها , وتفاءل هو بأن يجمع مالا فيما بعد يسدد به قرضه ولم يستطع , مرضت زوجته مرضا خطيرا , راجع معها اطباء المستشفيات الحكوميّة , الذين اجمعوا أن حياتها قصيرة وأنها ستموت قريبا , وتفاءل هو بأن يتزوّج غيرها عندما تموت , ولم يفعل , لأنها تعافت من مرضها .
ساءت صحتّه بسرعة كبيرة , اصبح في ايّام لا يقوى على المشي , ثمّ لم يستطع أن يحرّك يديه , ولا حتّى لسانه الذي لم يعد يتفوّه به بكلمات يتفاءل بها ويسلّي نفسه , ولم يستطع الاّ أن يذكر أنّ الله ارحم به من والدته التي انجبته , ولا بد له من أن يحسن الظنّ بالله ثم التفت الساق بالساق و مات .