30-11-2015 10:06 AM
سرايا - سرايا - ظهر كتاب "إسبانيا بلا عمد" في لغته الأم سنة 1921. كان مؤلّفه أوتيغا إي كاسيت (1883 - 1955)، وقتها، أحد أبرز مفكّري بلد سيعيش بعد سنوات حرباً أهلية طاحنة (1936 - 1939). وكأن نبوءة هذه الحرب مرّت من بين سطور الكتاب الذي صدرت مؤخّراً ترجمته إلى العربية عن "منشورات الجمل" وأنجزها محمد بلال أشمل.
عُرف أويتيغا بانتمائه إلى التيار الفكري الغالب في زمنه؛ الوجودية، وكان يُعتبر ممثَّلها الثاني بعد أستاذه ميغيل دي أونامونو. وفي حين ركّز الأخير على القضايا الكونية، وجعل من الفرد بؤرة أسئلته الفكرية، كان إي غاسيت منغمساً في الهوية الإسبانية. لعل الفارق بين الرجلين يكمن في موقعهما الاجتماعي؛ فأنامونو كان صاحب مناصب جامعية كبرى، في حين التفت إي غاسيت أكثر إلى الحياة العامة، فأنشأ المجلات الأدبية والفكرية وأشرف عليها، كما شارك في الحياة السياسية. هكذا نرى من أي موقع كتب المفكر الإسباني هذا العمل، والذي وضع له عنواناً فرعياً: "خطاطة لأفكار تاريخية". يدرس إي غاسيت مكوّنات الشعب الإسباني، والتي في صراعها الداخلي تنتج أوهاماً، منها العرقية والمذهبية ومنها الإيديولوجية والطبقية. تتحوّل هذه الأوهام، بمرور الوقت، إلى عوائق أمام مشروع العيش المشترك بين هذه المكوّنات. يقدّم الكاتب في عمله أيضاً مقابلة بين ما يسمّيه بـ "إسبانيا الجوهرية"، التي تعبّر عن مثلها، و"إسبانيا الرسمية" التي لا تمثّل سوى أفكار فرضتها أقلية على بقية أطراف الحياة السياسية والاجتماعية. لا زال فكر إي غاسيت يمثّل مشغلاً في الحياة الفكرية في إسبانيا، فعمله هذا لا يفسّر فقط ما حدث في الحرب الأهلية، بل يفسّر أيضاً المرحلة الديكتاتورية (حتى 1975). كما يمكن أن يفسّر الكتاب العديد من الظواهر التي تعيشها إسبانيا اليوم؛ مثل النزعات الانفصالية.