01-12-2015 10:09 AM
سرايا - سرايا - طالما اتُهم الأدباء والفنانون بقصر النظر السياسي من قضايا عصرهم، إلى حد الاتهام بالخيانة، وكان الرد على هذه الوصمة أنه لا يشترط بهم أن يكونوا سياسيين، فهم معنيّون بمفاهيم الجمال وعوالم الخيال والعواطف البشرية. السياسة مهنة السياسيين. وفي الحدث الأهم في القرن التاسع عشر ما يدل على هذه الحقيقة ونقيضها.
في الثامن عشر من مارس/ آذار عام 1871، أعلنت حكومة "الكومونة"، كأول دولة عمالية في التاريخ. خلال فترة حكمها القصير قامت بالعديد من الإصلاحات التربوية، إضافة إلى تحطيم المقصلة، فصل الدولة عن الدين، الاقتراع العام، إلغاء العمل الليلي، منع الغرامات والضرائب على أجور العمال، تشغيل المعامل التي تركها أصحابها ولجأوا إلى فرساي، التعليم المجاني والإجباري. احتلال الثكنات، وقيام العمّال والعاملات بالدفاع عن الثورة.
لم تستمر "الكومونة" أكثر من 72 يوماً. كان قمع الثورة دموياً بشكل فظيع. أمضى الجيش الفرنسي ثمانية أيام يطلق النار على المدنيّين، أعدم خلالها عشرات آلاف من أعضاء الكومونة. كانت عمليات القتل تتم في الشوارع وعلى المتاريس.
ماذا كان موقف كبار كتّاب فرنسا آنئذ؟
"
وحده فيكتور هيغو أدان منفرداً القمع ضد الكومونيين
"
أدولف تيير الذي كان من أشهر مؤرّخي الثورة الفرنسية، تولى بعد أن أصبح رئيس الحكومة إخماد الثورة بوحشية، ورفع علم فرنسا على أشلاء جثث الثوريين الهزيلة، وأنزل علم الثورة وداس عليه بأقدامه.
الكاتب أناتول فرانس احتفى بالمجزرة واصفاً الكومونيين بأنهم لجنة من القتلة، وشرذمة من الصعاليك، وهلل للقضاء عليها: "أخيراً هاهي حكومة الإجرام والديمقراطية تتعفن أمام فصائل الإعدام".
غوستاف فلوبير صاحب رواية "مدام بوفاري" شبّه عمال الكومونة بالكلاب المسعورة ونصح بعدم التعامل معهم برحمة، وعلق على التعليم المجاني بأنه سيؤدي إلى ازدياد أعداد البلهاء. أما الشاعر شارل بودلير فقارن القوات العسكرية التي سحقت الكومونة بالإله جوبيتر.
الروائي والقاص تيوفييل غوتييه وصف جنود الكومونة بالبهائم كريهة الرائحة، وأوصى بإلغاء الاقتراع العام لأنه عار على الروح الإنسانية. وحده فيكتور هيغو أدان منفرداً القمع ضد الكومونيين.
بالنسبة للتاريخ، سوف تختلف وجهات النظر، فلكل زمن حساباته، وقد تميل الأحكام من النقيض إلى النقيض. بينما كان للإنسانية موقف واضح وصارم، ضد العنف والإبادة. الإنسانية لا تخضع لتقلبات السياسات ولا العصور. لذلك تحاول فرنسا ألا تتذكر مواقف أدبائها، من فرط ما كانت مُظلمة وظالمة، من حسن الحظ أن الأدب الذي تركوه خلفهم كان الضمير الذي أدانهم.
إذا كان ثمة حدث شبيه بالكومونة، رغم الفروقات، فهو الحدث السوري، فالنظام جابه الاحتجاجات بالقتل الممنهج، ومارس الإبادة بالقصف العشوائي، الحدث على بشاعته لم يفتقر إلى مثقفين وأدباء وفنانين أشادوا بالقمع، وحرّضوا على قصف قرى وبلدات وتسويتها بالأرض. بدلاً من أن ينأوا بأنفسهم عما يشينهم. ما سيتركونه خلفهم لا قيمة له، الإنسانية ستدينهم، والضحايا لن يغفروا لهم.