02-12-2015 04:44 PM
بقلم : رقية القضاة
يرى كثير من الآباء والأمهات أن الجهد الذي يبذ لونه في تربية أبناءهم لا يؤتي ثماره المرجوة ولا حتى جزء مقبول مما يتمنونه لهم من تلك المنظومة السامية من المثل والاخلاقيات التي طالما تربينا عليها أو تلك الإهتمامات والأولويات التي شكلت بالنسبة لنا ميدانا للمنافسة والنجاح
بل ويرى الكثير من هؤلاء الآباء أنه لاجدوى من متابعة الجهودالتي تضيع هباء في مواجهة التغيرات الفكرية والثقافية والإجتماعيةالسلبية في الغالب والتي ساهمت وبشكل كبير في توسيع الهوة بين مثلهم وقيمهم وسلوكياتهم وبين ما يراه الأبناء قدوة ومثالا. فيستسلمون لليأس والإحباط... ويتركون أولادهم للظروف المحيطة بدعوى أنهم ملّو وتعبوا دون طائل!!"
والحقيقة ان هذا تفكير خاطىء وتقصير لا يغتفر من أمّ وهبت حياتها لابناءها وسهرت من اجلهم و هو كذلك غير مقبول من اب افنى حياته في سبيل سعادة أولاده وبيته وحمايتهم من العوز والحاجة والانحراف ابتغاء اداء امانة الله حتى استحقا أن يأمر الله تعالى بطاعتهما في الآية ذاتها التي أمرنا الله سبحانه وتعالى ان نوحده ونعبده ولا نشرك به شيئا، ان نترك أبناءنا لواقع ثقافي واجتماعي متهالك منحرف ظنا منا ان الاصلاح غير ممكن في ظل ظروف اجتماعية ومؤثرات حضارية وافدة مؤثرةتكاد تستغرق كل جوانب حياة وأفكار ابنائنا وهو هروب من مسؤولياتنا أمام الله ثمّ أولادنا الذين سيكبرون ضمن إطار خاطئ من المؤثرات المدمرة وسيجدون انفسهم في شرك مآزق أليمة ثمّ يلقون باللوم علينا لاننا لم نأخذهم بالحزم ولم نحاول أن نؤثر عليهم بالحب او الحنو أو بالقدوة والسلوك الإيجابي.
إن سنوات التربية طويلة ممتدة من لحظة الولادة إلى اكتمال الرشد بل ربما احتاج بعض الابناء إلى متابعة مدى الحياة، فإن بضعة وعشرين عاما من التعب المتواصل والعناية المتتابعة بالماكل والمشرب والملبس والتوجيه والتعليم وغرس القوى الإيمانية في الأبناء لهي رحلة متعبة دون شك ولكنها إن شاء الله جزيلة الأجر والثواب ولعل اصعب ما في مرحلة التربية الطويلة هذه وجوب بقاء الوالدين مثالا وقدوة حسنة يستقي منها الأبناء أخلاقياتهم وبناءهم العقدي والسلوكي فتصبح الرقابة مزدوجة موزعة ما بين الذات مخافة الوقوع في ما يهزالصورةالمثالية للوالدين في وجدان الابناء وبين الرقابة الحانية الحازمة المشفقة على ابنائنا وهم يعيشون ضمن مجتمع يعج بالمتناقضات والمخاطر السلوكية والدعوات التي يختللط فيها الغث بالسمين والطيب بالخبيث وهنا لا نجد امامنا إلا ذلك النبع الصافي والمعين الذي لا ينضب من التوجيهات الربانية الحكيمة الرحيمة في هذا المجال وبالتاكيد في كل مجال حياتي آخر .
ولقد حرص الإسلام على أن يكون سخيا في التوجيهات الكريمة لكي يتمكن الوالدان من اداء رسالتهما وفق منهج الله وتعاليم دينه الحكيم فبدءا من لحظات الصراخ الأولى المعانقة للحياة حيث يسكب قلب الأبوة الحاني كلمات الله في اذن وليده فتنساب إلى قلبه المولود على فطرة الله إلى لحظة اختيار اسم حسن له إلى كل مظهر من مظاهر الاحتفاء بهذه الفلذة الثمينة إلى لحظة اسلامه للحياة من أول مراحلها المبكرة إلى رحابتها ومعركتها الحياتية المتمثلة في بدءه هو بتكوين بيت وأسرة يظل الوالدان يمارسان حق التربية وتعب التوجيه ولهفة الاشفاق وامل السداد والهداية بين الخوف والرجاء والقسوة واللين والانتباه والغفلة لمسيرة الولد والإفراط والتفريط في اساليب التربية بين ضعفنا الوالدي وحكمتنا التربوية وبين كل هذه التجاذبات تتمثل لنا كلمات الله الواضحة الجلية المحذرة المذكرة بدورنا ومسؤوليتنا: " يا ايها الذين آمنوا قوا انفسم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة".
إنها نار او جنة إذن ومجال الإختيار بينهما معدوم الا عند من سفه نفسه وجردها من كل شعور إنساني بالمسؤولية مكتفيا بالأداء الفطري الذي يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات غير العاقله وغير المكلفة.
فكيف بعد يمكننا التخلي عن مسؤولية وضعنا أمامها ووضعت أمامنا ونحن نعلم ان الله مطلع علينا ناظر كيف يكون أداؤن كيف يكون رضى قلوبنا بهذا التكليف الرباني وكيف يكون قيامنا على هذا الأمر الذي أمرنا به.
فهل هنالك من سبيل إلا الصبر والمثابرة والمتابعة لكل ما بدأناه من بذل بذرة الخير في قلوب صغارنا حتى يبلغوا رشدهم دون تفريط بالامانة ولا تضييع لها آملين المثوبة والاجر من الله تعالى راجيين أن يغفر لنا تقصيرنا ونسياننا وخطئنا إنه أهل التقوى وأهل المغفرة.