02-12-2015 04:52 PM
بقلم : د عودة ابو درويش
وقف الباحث الإحصائي في التعداد السكاني , أمام بيت من دون باب في الشطر الجنوبي للمدينة الجنوبيّة , همّ بان يقرع الجرس , فواجه اصبعه الفراغ , كان عليه أن يحصي عددا من البيوت في اليوم الاول لعمله , الذي اقتنع به بعد أن شرح له المسئول الكبير عن فوائد التعداد السكّاني الذي تقوم به الحكومة ,الكثيرة والعديدة , فالتعداد السكاني مفيد في جمع كثير من المعلومات التي سيقّدمها هو وزملائه الى صانع القرار , ومن فوائده معرفة النمو السكاني السنوي و معرفة المنشآت والمباني المدرسية والتعليميّة والكثافة السكانية و المجالات التي يتوّجب على الدولة توجيه الاستثمار اليها وأماكن النمو الاقتصادي ومعرفة أعداد العاطلين عن العمل وحصر الكفاءات العلمية وتخصصاتهم و ذلك لتوجيه المواطنين لدراسة تخصصات ليست متوّفرة و يحتاجها سوق العمل, وايضا لكي يتمكّن صانع القرار من معرفة حجم العمالة الوافدة الموجودة على ارض الوطن , والتي ليس لها احصاءات دقيقة لغاية الآن , وغيرها من الفوائد الكثيرة , مما يوجب على الجميع , التجاوب معهم كباحثين ميدانيين لتقديم المعلومة الصحيحة لهم .
نادى بأعلى صوته , على من بالدار , علّه يسمع جوابا , رحّب به صاحب الدار الذي على ما يبدو أنّه لم يستقبل زوّارا مهمّين منذ زمن , وأستعد للإجابة , ولكن لم يستطع الباحث أن يدوّن شيئا , فلا البيت مربوط على الصرف الصحي , ولا فيه جلاّية للصحون , ولا يسمع صوت لتلفاز , الاّ صوت برنامج اذاعي عن حبّ الوطن , والاولاد الاربعة , اخرجهم ابوهم من المدرسة , لأنه لا يقوى على مصاريفها , والبنات وامهم شبه اميّات , لا يستطعن الكتابة ولا القراءة , ولا يعرفون عن الحاسوب شيء الاّ انّه آلة خارقة للعادة , والاهم أن دارهم كلّها عبارة عن غرفة كبيرة واحدة , وحمام خارجها .
أخذ الباحث يسأل مع نفسه , ماذا يمكن أن يتحقق من الفوائد المرجوّة من التعداد و هل ستكون دراسة ما يدّون حقيقة , أم انها ستدخل ادراجا لا تفتح ابدا , هل سيقل عدد العاطلين عن العمل , وهل سيتوجه الناس لدراسة تخصصات يحتاجها سوق العمل , وهل ستساعد الحكومة في توفير مسكن لمن لا يملكه , وهل ستتوقف العشوائية في بناء المنشآت المخصصة للخدمات , التي تبنى في اماكن لا فائدة من وجودها فيها , وهل سنعرف حقا عدد العمالة الوافدة , والاعمال التي يعملون بها , وهل ستتوافق برامج التدريب المهني مع احتياجات سوق العمل , فاذا , على صاحب القرار أن يستفيد من نتائج التعداد لتحقيق معيشة افضل للناس , وعليه أن يجعلها المرجع الرئيسي والحقيقي للوزارات التنموية في وضع خططها , لنرى تغيّرا في مستوى معيشة الناس , أو هكذا أقنع الباحث نفسه .
لا ولن يتمكن بعد اليوم اي مسؤول من تغطية الحقيقة عن المواطنين , لانها ستكشف سريعا , وسيتبيّن ان كانت الخطط والبرامج والاهداف الموضوعة متناسبة مع ما هو موجود على الارض , واذا كانت نتائج ما بعد التعداد مغايرة للمرجو منها , فهل سيضطر الباحث الاحصائي الى العودة الى نفس البيت في التعداد القادم بعد سنوات ليجد حال البيت كما هو , قد بقي من دون باب .