05-12-2015 10:06 AM
بقلم : المهندس عصمت حداد
يُحكى أن "أبو بريص" وقف أمامَ ملك الغابة "الأسد"..وصاح متحدياً: "من منكم سبع ويتحداني"؟! ضحكت عليه جميع الحيوانات.. وقال له الثعلب ساخراً: "روح يا شاطر العب بعيد من هون"، لكنه أصر في التحدي، عندها طلب "الأسد" من "النمر" أن يُلقن "أبو بريص" هذا درساً لن ينساه.. فذهبا ليتصارعا خلف التل وما هي إلا لحظات حتى عاد "النمر" جريحاً مرعوباً والدماءُ تسيل منه.. وسط استغراب الجميع، حتى أنه لم يستطع الرد على استفساراتهم.. وأعاد "أبو بريص" الكرّة ووقف في المكان نفسه وأعاد الكلام ذاته.. عندها طلب "الأسد" من الفيل أن "يدوس" على "أبو بريص" ويقضي عليه.. ذهب الاثنان خلف التل وما هي إلا لحظات حتى عاد "الفيل" خائباً..مكسوراً.. يحمل نابه بيديه وخرطومه يتدلى والدماء تسيل منه.. وهو لا يستطيع الكلام!
عاد "أبو بريص" وكرر التحدي مرة أخرى فكان لزاماً على "الأسد" أن يقوم هو ويضع حداً لهذه المهزلة.. سبقه "أبو بريص" إلى ما وراء "التل" بانتظار منازلَةِ "ملك الغابة"، وعندما وصل "الأسد" لمواجهة "أبو بريص".. فوجئ بأن "أبو بريص" يمسك بيد ديناصور عملاق.. وما أن رفع "الأسد" بصره يتأمل حجمه.. حتى صاح به "الديناصور" مهدداً: "شوف أكلَكْ يا أسد.. إذا واحد بلمس إبن أختي هاظ – في إشارة إلى "أبو بريص" – ترى بخلي الدم للركب وبمسحه من الوجود"!!.. فارتجفت فرائصُهُ خوفاً واضطرابا، فَخَرَّ على قدمي الديناصور بذلٍ وخُنوعْ، وطلب السماحَ والمغفرةَ والعفو عنه، وأقسم أنه سيكون مع "أبو بريص" كالحمل الوديع.. ولكلِّ أوامره مطيع.
"أبو بريص"..أو ما يسمى"البريعصي": حيوان صغير يعيش بيننا رغماً عنا، ويعد من الحيواناتِ غير المرغوب فيها شكلاً ومضموناً.. يتواجد على سقوف وجدران المنازل والجحور وكذلك في الحمامات والمطابخ.. الأبارِصُ معروفة بالحيلةِ والخيانةِ، وعندما تحس بالخطر..على حياتها..تقوم بفصل ذيلها عن بدنها فيبقى الذيل يتلوى، فينتبه إليها المطارد ويلتهي بها؛ حتى يظن الخصمُ بأنه قد نال منها..ثم تهرب، ذلك بعد أن تُصدِرَ زقزقةً للاتصال بواسطتها بالأبارِصُ الأخرى لتحذرها من الخطر القادم.
يبدو بأنَّ هذه الحكايةَ الطريفةَ.. صورةٌ طبقَ الأصلِ عن المشهدِ العام.. وما يجري فيه من صراع للاستحواذ على المناصب التنفيذية بشتى درجاتها. فلقد أصبحَتْ الواسِطةُ والمحسوبية والزبونيةُ.. كلها شعارات مقبولة ومحمودة لدى الشعب الأردني.. فرضها عليه أصحاب القرار مند الستينيات.. وتغذت عليها عقليات الأجيال التي عايشتها حتى أصبحت تجري فينا مجرى الدم في العروق، وأصبح الأردنيون مدمنون عليها.. والتخلصُ من هذه الآفةِ لا يمكن بين ليلةٍ وضحاها،..كي يتمكن المواطن التعافي من هدا المرض العضال الذي نخر الجسم الاجتماعي للدولة، وقَوَّضَ سَيْرَ النمو والإنتاج بالأردن.. لأن أصحاب القرار المتحكمين في دواليب الاقتصاد والسلطة هم من يجب معالجتهم أولاً لأن القرار بين يديهم، أما الشعب المغلوب على أمرهِ فهو عرضة لكلِّ ما تقوم به هذه الديناصورات المسيطرة على مفاصل الدولة و الاقتصادِ في الوطَنْ، وأستذكر ما قاله شاعرنا معروف الرصافي قبل مئة عام:
يا قـوم لا تتكلَّـموا - إن الكــلام محـرَّمُ
ناموا ولا تستيقظـوا - ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ
في هذه الحياة نسمع بأن فلاناً "مدعوم"، وله ظهر يسنده، ونتيجة ذلك يصل ويحقق المبتغى من المال والجاه والسلطان، ونسمع إلى فلانٍ آخرٍ.. بأنه بلا ظهر أو سند ولا أمامه إلا الخنوع والقبول بما هو فيه!، وربما هذا ما جَعَلَ "أبو بريص" المحتال يستقوي على زملائهِ في القصة التي سردتها لكم أعلاه.. لقد سادت الديناصورات الأرض لمدة 130 مليون سنة، ولم نعد نرى أي ديناصور منذ 66 مليون سنة..ولكن يا للعجب..فمازال في وطني.. ديناصوراتٍ تعيش إلى هذا اليومْ، الطريف بالذكر.. بأن علماء الجيولوجيا لم يتوصلوا إلى هذا النوعِ من الديناصورات.
علينا أن نعترف بأننا لا نحسن بناء صرح الدولة الحديثة؛ فمازال طريقنا طويلا.. وأطول مما نتخيّل، والآمال التي نتطلع إليها غائمةً ولم تظهر للعيان بعد، ومازالت جدراننا مائلة ومعوجّة بسبب هذه الدَناصِير المتحجرة المتعفنة التي تفتقد إلى الأخلاقِ والصدقِ والانتماءِ، وجُلّهم لا يريدون الخير والنماء لأهلهم فكلّ همهم ملءِ جيوبهم.. وتعزيزِ مطامحهم الضيقةِ.. وتقديم المزيفين على أصحاب الكفاءات.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستبقى الأبارِصُ تتكاثر بالانشطار؟!..يبدو بأنَّ ما أفسده الدهرُ لا يصلحه العطارُ في هذا الزمن الرديء، وسيبقى وراء كل "أبو بريصٍ" ضعيفٍ.. "ديناصورٍ" قوي!.
"وروح يا جيولوجي روح"