05-12-2015 10:43 AM
بقلم : محمود العايد
لَا يَتَصُورُ أَحْدٌ سِرُّ الْعِلَاقَةِ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمِّي الَّتِي حَمَلَتْ بِي تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ وَضَعَتْنِي وَلِيْدًا لَا أَقْوى عَلَى شَيء سِوى الصُّرَاخِ لِأَتَنَفَّسَ عَبَقَ الْحَيَاةِ مِنْ لَحْمِهَا وَمَا تَبْقَى مِنْ فُتَاتِ جَسَدِهَا.
كَمْ كَانَتْ تَصْحُو مِنْ سُبَاتِ نَوْمِهَا لِتَتَفَقْدَنَا وَتَرْعَى أَحْوَالَنَا؟ كَبٌرْنَا وَكَبُرِتْ أٌمِّي مَعَنَا، وَأَصْبَحْنَا نَرْعَى شُؤْونَنَا دُوْنَ الْحَاجَةِ لَهَا. وَرَغْمَ ذَلِكَ مَا زَالَ قَلْبُهَا يَنْبِضُ بِنَا، وَعَقْلُهَا مُعَلَّقٌ مَعَنَا، فَلَا يَكَادُ أَنْ يُغْمِضَ لَهَا جِفْنٌ وَلَا يَرْتَاحُ لَهَا ضَمِيْر حَتَّى تَرَانَا كَمَا رَسَمَتْ لَنَا فِي مُخَيِّلتِهَا مُسْتَقْبَلًا يَحْلُو لَنَا، وَفِي وَاقِعِ الْحَالِ الذَّي لَا فِرَارَ مِنْهُ أَنَّا بِتْنَا فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ لَهَا بِالرُّغْمِ مِنْ قُدْرَتِنَا عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤوليَةِ وَحْدَنَا. يَا لله يَا الله يَا الله لَا تُرِنَا بِهَا شَرًّا يُغِيْضُنَا وَلَا بُؤْسًا يَقْهَرُنَا فإنَّا نَعُوذُ بِكَ يَا الله مِنْ قَهْرِ الرِّجَالِ.
يا الله كَمْ كَانَتْ وَلَا زَالَتْ تَجُوعُ لِنَشْبَعَ وَتَظْمَأ لِنَرْتَويَ وَتَعْرَى لِنَلْبَسَ. مَنْ مِثْلُ أُمِّي ؟ يا الله اِحْفَظْهَا بِحِفْظِكَ وَاِرْعَاهَا بِرِعَايَتِكَ وَأَمِدْهَا قُوَّةً مِنْ قُوَّتِكَ وَارْضَى عَنْهَا فِي الأوَّلِيْنَ وَالْآخِرِيْن وَتَجَاوز عَنْ سَيئاتِهَا يَوْمَ الدِّينِ.
أُمِّي تَعْنِي الْكَثِير فَهِيَ الْحَيَاةُ والْحَيَاةُ هِيَ، فَلَا حَيَاةَ بِدُوْنِهَا وَلَا بِدُوْنِهَا تَحْلُو الْحَيَاة. لِمَاذَا نُحَاوِلُ نِسْيَانُهَا فِي زَحْمَةِ الْحَيَاةِ الْمُتَنَاثِرَةِ بِحُجَّةِ أَشْغَالِنَا الْلامُنْتَهِيِةِ فِي ظِلِّ الازْدِحَامِ. أَنَامُ فِي غُرْبَتِي بَيْنَ جُدْرَانِ غُرْفَتِي دُوْنَ أَدْنَى تَفْكِيرٍ بِهَا. وَهِيَ لَا يَهْدَأُ لَهَا بَالٍ جَرَّاء تَفْكِيرُهَا بِنَا.
أُمَّاه لَوْ قَدَّمْتُ لَكِ رُوْحِي طَبَقًا عَلَى ذَهَبٍ مَا أَوْفِيْتُكِ حَقُّكِ.
أُمَّاه لَوْلَا حِرْصُكِ وَتَفَانِيكِ لَكُنْتُ شَيْئًا مَعْدُومًا.
أُمَّاه أَنْتِ لِي قَمَرًا مُنِيرًا
وَكُلِّ رَجُلٍ أَوْ أُنْثَى أُمُّهُ تَعْنِي شَيْئًا كَثِيْرًا
هَذِهِ أُمِّي فَلْتَعْذُرُنِي بَاقِي النِّسَاء
أُمَّاه لَا عُذْرَ لِي إِنْ لَمْ تَعْذُرِيْنِي عَلَى هَذِهِ
الْكَلِمَاتِ الّتِي سَطَّرْتُهَا فَهِيَ لَا تُوَازِي الْمَقَام مَقَامُكِ السَّامِي.