07-12-2015 09:53 AM
سرايا - سرايا - مع انتشار خبر وفاة الروائي المصري إدوارد الخرّاط، سارعت دور نشر إلى عرض رواياته على واجهات الرفوف في مكان لم تكن فيه من قبل. من المؤسف أن يكون الموت سبباً في ترويج كتاب من قبل الدار، أو شرائه من قبل القارئ، ومع ذلك، فإنها الحقيقة.
لم يُتَح لأعمال الراحلة فاطمة المرنيسي الأمر نفسه، ربما لم تكن كتبها من ضمن منشورات الدور المشاركة، ولا سيما أن الحضور المغاربي في "معرض بيروت الدولي للكتاب" خجول ومتواضع إجمالاً.
إنها الثالثة عصراً، ربما لا يكون هذا الوقت مناسباً لزيارة المعرض، الممرّات بين أجنحة دور النشر شبه فارغة، بضعة أشخاص هنا وهناك. في بعض الأروقة، يجتمع المسؤولون عن البيع في الدور يتحدّثون ويزجون ساعات "معرض الكتاب" الطويلة بالقهوة والكلام.
لن تتحقّق لك تلك المتعة، أن تشاهد غرباء يشترون الكتب التي تحبّها، قرّاء النوع نفسه، الذين تراهم يحملون بعض الكتب التي اشتريتها للتو، تشعر كما لو أنك عثرت على نصفك الآخر. ستبتاع بضعة كتب، وتقول لنفسك: سأعود في يوم ووقت آخرَين. ربما في المساء، حسناً الوضع أحسن بقليل، زاد الحضور قليلاً. وثمّة تجمّع معقول بمناسبة توقيع كتاب. بعد ساعة، ينفضّ كل شيء، أنت تتمشّى من جديد في سوق للبضاعة الكاسدة، أو لعلّك أتيت في الوقت الخطأ مرة أخرى.
معظم الدور المشاركة لبنانية. أنت غير مهتم لأنك تستطيع العثور على كتبها في بيروت في أي وقت، تبحث عن الدور المهمّة من المغرب، "توبقال" مثلاً، لن تجدها. تبحث عنها في قائمة دور النشر المشاركة، إنها ليست عليها. حسناً، لنبحث عن "ميريت" المصرية أو ربما "الكتب خان"، ليست هناك أيضاً.
في المقابل، هناك الكثير من دور النشر ذات الطابع الإسلامي، ثمّة وفرة في مجلّدات تفاسير القرآن، "صحيح البخاري"، كتب دينية، لن تفوتك مشاهدتها فحصّتها من المعرض كبيرة. الكتب التراثية القيّمة ليست متاحة، إمّا لغيابها أو لأسعارها الباهظة. في رواق واحد، اصطفّت دور النشر السورية، بعضها لم تسمع به من قبل، أو ليس ما ينشره من ضمن اهتماماتك، بعضها تعرفه وتسعدك قائمة إصداراته الجديدة.
الكتب التي تهمّك تحتاج إلى ميزانية تخصّها، أقلّ كتاب عثرت عليه في مجال الدراسات ثمنه 15 دولاراً. كتب الفن انسَ أمرها، الواحد منها لا يقل عن 35 دولاراً. شراء الكتب المترجمة من المؤسّسات الكبرى ذات الكتب المدعومة من مؤسّسات أكبر، يحتاج إلى حصّالة للتوفير. لا توجد تخفيضات ولا حسومات على أسعار الكتب، لا القديم منها ولا الجديد.
إذا كنت ذاهباً إلى معرض الكتاب بحثاً عن النحاسيات والتحف التقليدية سيئة الصنع، فهي منتشرة في هذا البازار الكبير. توجد كذلك ألعاب أطفال، ودمى لفتيات يرتدين الحجاب والعباءة السوداء. في الكتابة أيضاً هناك موضة، والموضة هذه السنة هي "داعش"، الكل يكتب عنها، المتخصّص وغير المتخصّص، صحافيون وباحثون، كتب عربية وأخرى مترجمة، أسماء معروفة وغير معروفة. بالمقابل هناك حضور لأكثر من دار نشر تركية.
ليس ثمّة ضيوف بارزون في المعرض؛ كتّاب عالميون أو دور نشر تفكّر في ترجمة الكتاب العربي إلى اليابانية أو الصينية أو الفارسية أو الإنجليزية أو الفرنسية. ليس ثمّة أفكار مبتكرة من قبل الناشرين لدعم الكتّاب الجدد أو تبني المخطوطات التي تنتظر ناشراً.
كنت قرأت سابقاً عن طقوس معرض "فرانكفورت"، حيث الكتّاب يحجزون مواعيد مع وكلاء دور النشر قبل أشهر، لكي يتمكّنوا من عرض مخطوطات جديدة على المحرّر المكلّف باقتناء الكتب الواعدة. إنها واحدة من ثوابت المعارض العالمية، أن يكون الكاتب قادراً على العثور على ناشر والتفاوض حول مخطوطته أو مشروع كتابه المقبل. الأمر ليس دارجاً هنا، وعلى الأغلب ليس في معارض عربية أخرى. في معظم أجنحة دور النشر باعة، لا علاقة لهم بالنشر والتحرير وقرار التفاوض حول مخطوط أو تبنّي كاتب جديد.
لم يعد "معرض بيروت الدولي للكتاب" دولياً، لنعترٍف بذلك. إنه معرض لدور النشر اللبنانية مع تواجد لدور نشر عربية على الهامش. هذا التخلّي عن روح معرض الكتاب، ليس بعيداً عن الحالة العامة التي تعيشها المنطقة، حيث تهرم التظاهرات القديمة التي لا تجدّد نفسها، تتراجع وتخفت ويبهت جمالها.
في المقابل تصبح تظاهرات أخرى أقوى وأكثر معاصرة. فكيف نفسّر مثلاً، الفرق بين الجمهور الكبير لتظاهرة "أشغال داخلية" التي انتهت قبل أيام، مع غياب الجمهور عن معرض الكتاب؟ مبدئياً، المهتم بعروض تلك التظاهرة مهتم أيضاً بزيارة المعرض واقتناء الكتب. يمكنك أن تعثر على الإجابة في عناوين المحاضرات المكررة، في الجو الكهل المحيط بكل شيء، في طريقة عرض الكتب، في غياب الموسيقى، في ركن المقهى البائس الذي لا يصلح لأن تلتقي فيه كاتباً أو أن تجلس لتصفّح كتاب اشتريته للتو.